وكان الطلاب في هذه المدرسة من المصريين وغيرهم، واختير كثير من أولئك من بين نوابغ طلاب الأزهر، ثم نقلت هذه المدرسة إلى قصر ابن العيني في سنة ١٨٣٨.
وقد كان لمدرسة الطب أثرٌ لا يُنْكَرُ في بعث اللغة العربية والنهوض بها، واتصالها بالعلم الحديث؛ لأن فصيح اللغة فوق أنه قد غُمَّ على الناس وعلى المصريين بخاصةٍ من عهد بعيد، وأن آدابها ومظاهر بلاغتها قد دَبَّ إليها الضعف والانحلال إلى حدٍّ كبيرٍ، فإنها قد تخلفت عن متابعة العلم حقبًا طويلةً؛ فلما استوى العلم وأدرك، إذا هو في وادٍ، وإذا حظّ الناس من لغة العرب في وادٍ آخر.
وحين فوجئت مصر بهذه العلوم التي حذقها الغرب منذ عدة قرون, تشايعها الألفاظ هناك، وتدارجها الصيغ، وتطبع لها المصطلحات التي تهيئها الهيئات العلمية المنظمة, تبين العسر أشد العسر في تعليم هذه العلوم الحديثة لطلابٍ يجهلون لغات أهلها، وخاصةٍ من معلمين لا يعرفون العربية، ولو عرفوها ما تهيأ لهم أن يدرسوا بها لعجزها عن أداء الكثير والقليل مما تهيأ لهم أن تؤديه, ليس في متناول اليد، بل إنه يحتاج إلى كثرة مراجعة، وشدة تنقيب، ويحتاج إلى علماء عندهم شغف بالاطلاع, ورغبة في البحث، وجَلَدٌ على العمل؛ لهذا دعت الضرورة أول الأمر أن يقام بين الأساتذة وتلاميذهم جماعةٌ من المترجمين, يستمعون الدرس في اللغات الأجنبية، ثم يؤدونه إلى هؤلاء بالعربية، وكان هؤلاء المترجمون من المغاربة والسوريين والأرمن وغيرهم.
ولقد عانوا كثيرًا في القيام بهذه المهمة الشاقة، ولكن كان علمهم هذا أول دعامةٍ في صرح النهضة الحديثة، فلقد حفَّزَّهم ذلك إلى مراجعة معجمات اللغة، والكتب الفنية القديمة؛ كمفردات ابن البيطار، وقانون ابن سينا، وكليات ابن رشد، وغيرها من الكتب العربية لاستخراج المصطلحات العلمية, أو لصياغة ما يؤدي مطالب العلم الحديث، إذا عجز القديم عن أدائه، وإذا كانت قد غلبتهم الألفاظ الأجنبية في كثيرٍ من الأحيان, ففضلهم في عقد الصلة بين الشرق والغرب لا يجحد.