عرفت فيما سبق كيف أن الصحافة في عصر إسماعيل نهضت بلغة الكتابة، وحررت النثر من السجع المتكلف، والإمعان في طلب المحسنات البديعية، وأنها تناولت موضوعاتٍ شتَّى مما يَمُسُّ الحياة العامة ومشكلات الشعوب، بيد أن نظرتها ثمة كانت عابرة، لم تقف طويلًا للتعرف على خصائص هذا النثر ومميزاته الفنية، والموضوعات المتباينة العديدة التي خاض غمارها، والعوامل الكثيرة التي تضافرت على النهوض به، والتي اتخذت من الصحافة منبرًا يذيع على الناس فكرًا جديدًا.
ورأيت أن المدرسة الديوانية التي مثلها: عبد الله فكري, لم تتناول السياسة والاجتماع والإصلاح، وأن موضوعاتها لم تتعد الأمور الشخصية, أو الأدبية البحتة؛ كرسائل التعزية والتهنئة والاعتذار والرجاء، أو وصف منظر جميل, أو أنية أنيقة الصنع ... وما شاكل ذلك مما يكون مبعثه الشعور الشخصي.
ولقد شهدت أخريات عهد إسماعيل، وعهد توفيق لونًا جديدًا من النثر، وأدبًا ينبض بالحياة وبالحرارة, رأينا نتفًا منه قبل١ وآن لنا نخصه بنظرة واسعة.
١- موضوعاته:
أما موضوعات هذا النثر فكانت واسعة الأفق، وتناولت مشكلات الحياة وما يهم الشعوب, وما يبعث على اليقظة والنهضة ممثلة في:
١- الدافع عن الشعوب المظلومة التي ظلت تئن تحت نير العبودية والعسف قرونًا مديدة، لا تعرف كيف تراجع الحاكم في حكمٍ أبرمه ولو كان ظالمًا، ولا كيف تثور وتشكو وتئن وتتوجع وتسمع شكاتها للعالم، والحاكم سادر في غلوائه، يمتص دماءها، ويسخرها لأهوائه وشهواته؛ ولا يفكر في نفعها إلا بمقدار ما يعود عليه من الفائدة، استمع للأستاذ الإمام محمد عبده كيف يصور لك حال مصر قبل أن يشيع هذا الأدب الجديد والفكر الجرئ في أرجائها.
١ راجع ما كتبناه عن الشدياق وأديب إسحاق فيما تقدم.