للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- الفصل الثالث: النقد الأدبي

لقد خطا البارودي بالشعر خطوة قوية عظيمة كما عرفت، أعاد للشعر ديباجته المشرقة، ومتانته الرائقة، ورجع به إلى عصر ازدهاره أيام العباسيين، وسار على نمطهم في موضوعه، وقالبه، ومعانيه، وحذا حذو البارودي الشعراء الذين أتوا بعده، وكان تأثيره فيهم جليلًا قويًّا؛ لأنه شاعر معاصر، ضرب لهم مثلًا صادقًا فيكيف يكونون شعراء بحفظهم من جيد الأدب القديم، ثم معارضته وتقليده، ثم الاستقلال عنه وظهور شخصيتهم؛ ولم يعد أحد منهم تساوره نفسه لتقليد شعراء الضعف أيام المماليك والعثمانيين، والاهتمام بالمحسنات والحلى والزخارف، إلا من باب رياضة القريحة، أو العجز عن التخلص من تقاليد الشعر البالي كما فعل إسماعيل صبري لأول عهده بقرض الشعر، فكان يجيد التاريخ الشعري، ويهتم بعض الاهتمام بالمحسنات، إلى أن استطاع الوقوف وحده، فهجر ذلك كله١.

وقد ظهرت طائفة من الأدباء والملمين بأصول اللغة العربية، وعلومها في أخريات القرن الماضي حاولوا تجديد النقد الأدبي كما عرفه القدماء، وتطبيق النظريات العربية في النقد كما عرفها نقاد العصر العباسي على الشعر الحديث.

وأول من خطا خطوة جدية في هذا الباب هو الشيخ حسين المرصفي صاحب "الوسيلة الأدبية"، وقد عرض علوم العربية عرضًا جديدًا بأسلوب جديد وبخاصة علوم البلاغة مبينًا منزلة كل منها في نقد الكلام.

ولم يكتف بهذا بل حاول التطبيق النقدي، وصح كثيرًا مما أخطأ فيه القدماء، وكان له ذوق مرهف لمعرفة مواطن الحسن في الكلام، ويبدأ نقده بتفسير الكلمات اللغوية حتى يتضح المعنى ولا يجعل من النحو والبلاغة غاية في النقد وإنما هي عنده وسيلة لمعرفة الصور وجلائها وإيضاح مكامن البلاغة في


١ راجع مقدمة ديوان صبري للدكتور طه حسين، والأستاذ أحمد أمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>