للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول، ولذلك نراه ينتقد معاصريه، والسابقين عليه في طريقة دراستهم للبلاغة وفهمهم لمقصدها، فلا ينبغي لهم الاقتصار على قولهم: "كذا يشبه كذا كذا أو استعار كذا ولكذا"، وإنما يجب على الناقد. أن يقف القارئ على مواطن الحسن في العبارة.

ومن أمثلة نقده كلامه على قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم} ، الختم: الطبع، ويدل على تشبيه القلوب بصناديق مثلًا، ففي الكلام استعارة مكنية وقرينتها لفظ ختم، فيفيد الكلام أنه بمنزلة الجمادات بحيث أنها لو كان فيها شيء لم تكن منتفعة به، وقد جعلت بحيث لا يمكن أن يدخل فيها شيء، فلا يطمع طامع في إيمانهم.

وعنده أنه ليس كل كلام تحققت فيه أركان قسم من أقسام فنون البلاغة يعد بليغًا فيقول: ليس كل ما فيه الكاف أو كأن يعد في نظر أهل صناعة الكلام العارفين بها، الواقفين على أسرارها، والملتفتين إلى دقائقها -تشبيهًا، وإنما التشبيه ما جلت فائدته وحسن موقعه من عرضه. وإن أحسن التشبيه والاستعارة ما وقع موقعه من غرض تصوير حال المشبه أو المستعار له، والإبانة عنها بجزيل العبارة ولطف السياق بحيث لا يكون قصد المتكلم إلى مجرد التشبيه والاستعارة كما هو كثير من كلام المولدين١.

ويورد المرصفي نماذج عدة من الكلام البليغ، ويبين مواطن البلاغة فيها، ولم يقتصر في أمثلته على عصر، وإنما أورد نماذج تبين مختلف العصور والتطور البلاغي محللًا بعضها تحليلًا دقيقًا. وهو يعتمد في كثير من الأحيان على ذوقه، وتمرسه بأساليب العرب الأقدمين. وحفظه للجيد من كلامهم؛ ولذلك كان معجبًا بالبارودي لأنه لم يتلق علوم العربية على مدرس، وإنما اكتسب الملكة البيانية من حفظه للجيد من النثر والشعر في عصورهما الذهبية، ولكن اعتماد المرصفي على ذوقه لم ينسه القواعد والأصول لعلوم العربية، وإذا خرج الأديب


١ الوصيلة الأدبية ج٢ ص١٧، ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>