في مستهلِّ القرن التاسع عشر, أخذت مصر والبلاد العربية تستيقظ من سباتٍ طويلٍ, وتفرك عيونًا طالت هجعتها، وتنظر دهشةً إلى دنيا حافلةً بالجديد في نظم العيش, ووسائل التغلب على قوى الطبيعة, وتذليلها للإنسان؛ بالمخترعات الحديثة، وفي نظم الفكر، وعالم المعاني، والآداب، وما خلقه أدباء الغرب من صور ودبجوه من كتب؛ ونظموه من شعر، وسطروه من علمٍ مبنيٍّ على التجارب الممحصة، ومن حقائق مؤيدة بالبراهين الساطعة، منذ ذلك الوقت، ومصر والبلاد العربية تزداد بالغرب صلة، وبأهله تعرفًا، وبحضارته وثقافته ولوعًا، ولم تنس ماضيها وتراثها المجيد من الحضارة والثقافة, فأحيت ما ورثته عن العرب من آداب ضخمة، وأخذت تتناول من القديم، وتتناول من الجديد, وتمزج بين الثقافتين.
وكان اتصالها بالغرب عن طرقٍ كثيرةٍ: فمن بعثات ترى رأي العين، وتتلقى العلم عى أساتذة مختصين ثمة، وتعود فتنقل صورًا جديدةً من العادات والحياة، وأفكارًا وآراءً لم تكن موجودةً من قبل، ومن ترجماتٍ لآثار العلماء الغربيين, ورجال الأدب والفكر والفن والقانون، يطَّلِعُ عليها جمهرة المتعلمين من الشعوب العربية، ويدرسونها فيستقر ما بها من آراءٍ في عقول الناس نتيجة التداول، ومرور الزمن، وتصير من تراث الأمة العقليّ؛ تظهر دون تعمد على ألسنة الخطباء، وعلى أسلات الأقلام، وفي ثنايا الأبيات الشعرية، والصور الفنية، وبذلك يتخذ الأدب والفن لونًا جديدًا يميزه عن العصور السابقة، ويطبعه بطابع خاص.