وهاكم نموذج آخر لشعراء المدرسة القديمة، الذين طغى حب المحاكاة للقديم على ما لهم من ثقافة حديثة، ومعرفة باللغات الأجنبية وآدابها، ومشاهدة لحضارة أوربا عن كثب بالزيارة والاختلاط، وتجدون هذا النموذج ممثلًا في السيد توفيق البكري.
وهو أبو النجم محمد بن علي بن محمد الملقب بتوفيق البكري الصديق العمري التميمي الهاشمي القرشي، وسبط آل الحسين، ونقيب الأشراف بمصر، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية.
ولد البكري١ بقصر والده المطل على النيل بجزيرة الروضة في يوم الجمعه السابع والعشرين من جمادي الآخرة عام ١٢٨٧هـ - ١٨٧٠م.
قرأ القرآن، وتعلم مبادئ اللغة العربية في بيته، ثم دخل المدرسة العلية التي أنشأها الخديو توفيق لأنجاله، وكان يلتحق بها أبناء السادة والعظماء من المصريين، فقرأ ثمة طائفة من العلوم العقلية والنقلية، وأظهر من التفوق والنجابة ما جعله أول التلاميذ.
وألغيت هذه المدرسة في سنة ١٨٨٥، وسافر أنجال الخديو إلى أوربا ليتموا تعليمهم بها فأحضر له ذووه مهرة المدرسين في البيت ليتم ما بدأ من صنوف العلم، وفي سنة ١٨٨٩ تقدم لامتحان "البكالوريا" بنظارة المعارف فجاز الامتحان، ونال الشهادة وكان الأول بين جميع الناجحين. ثم أبت عليه نفسه الطموح أن يقنع بهذا الحظ من التعليم، فتقدم للشيخ الإنبابي شيخ الأزهر حينذاك ليختبره بنفسه فيما يدرس الأزهر من علوم وليمنحه الإجازة فامتحنه ومنحه الإجازة وقال فيها. "ممن اعتنى بعد ما اقتنى، وقطع المفازة فطلب الإجازة
١ ترجم البكري لنفسه في صحيفة أو دعها عند خلفه وابن أخيه السيد عبد الحميد البكري قبل مرضه ومنها استقينا هذه المعلومات عنه؛ وقد ضنت الكتب عليه بترجمة وافية.