على الرغم من أننا نعيش في عصر توفرت فيه وسائل النشر، وأصبح الكتاب العربي سهل التناول، كثير التداول، وعلى الرغم من أني أؤرخ أدب العصر الحديث في مصر، فإني أشعر بأن المهمة شاقة، وأن الأدب العربي في عصوره الماضية أيسر تأتيًا، وأقرب منالًا: ولذلك ما زالت منذ أن صدرت الطبعة الأولى لهذا الجزء يجد لي في كل يوم جديد، وتتبدى لي في كل حين فكرة. وما ذاك إلا لأن الأبحاث التي تعرضت لهذه الحقبة لم تلم أشتات الموضوع، وتجمع مادته في الأضابير والمخطوطات والمجلات والصحف السيارة، والكتب المطمورة، ولهذا أخذت نفسي يتقصى مصادره، والبحث عن مادته ما وسعني الجهد حتى أبلغ بالكتاب الغاية التي أرجوها له، والتي يتطلبها مني البحث العلمي الدقيق.
وهأنذا أتقدم لقراء العربية بالطبعة السادسة لهذا الجزء وفي كل باب من أبواب الكتاب زيادات كثيرة وتنقيحات لم أر منها بدًا.
ولست أزعم أن الكتاب قد بلغ الكمال أو قاربه، فما زالت هذه الحقبة في حاجة ملحة للدرس والتمحيص. وإنني أعد القارئ العربي الكريم -الذي أدين له بفضل التشجيع- أن أبذل في الاستزادة من الأدب الحديث ومصادره غاية جهدي حتى يصل الكتاب إلى ما نصبو إليه، ولا يسعني إلا أن أقابل تشجيع قرائي من أبناء العروبة بالشكر الوافر، والعمل المتصل، والله أسأل أن يوفقني إلى إرضاء العلم وجمهور الأدباء وطلاب البحث، إنه نعم الموفق للصواب.