ومن أهم العوامل في النهضة الأدبية الحديثة, والاتصال بالفكر الأوربيّ بجانب الترجمة, ما قام به المستشرقون من جهدٍ في سبيل اللغة العربية وآدابها, وبحث العقيدة الإسلامية ومذاهبها، ونشر ما عفت عليه الدهور، وأغفلته يد النسيان من كنوز اللغة العربية.
اتصل الغرب بالمشرق بادئ الأمر حينما كان الشرق في عنفوان صولته، وقمة مجده, يغص بالمدارس الجامعة، ويزخر بالكتب الثمينة، ويشمخ بعلمائه وفلاسفته ورياضييه، وكانت أوربا لا تزال في سِنَةٍ من النوم, حينما فرغ الشرق أو كاد من يقظته الطويلة وجهاده العنيف في سبيل العلم والمدينة، ولما استيقظت أوربا قليلًا، تلفتت فوجدت شعبًا غريبًا يعمر جزءًا خصبًا من قارتها، وقد أحاله جنةً فينانةً ترف فيها العلوم والفنون والآداب، فتطلع أهله إلى الأندلس منذ ذلك الحين، يرمقونها بعيون دهشة، وأفواه فاغرة، وبودهم أن يعرفوا بعض ما عليه أهلها من علم.
وطئت أقدام العرب كثيرًا من أرض القارة الأوروبية, وعبرت بعضها عبور المسافر أو المغامر أو التاجر، ووقفت في بعضها وقفة الفاتح القادر، فعبروا فرنسا عبورًا سريعًا, وامتد طوفانهم إلى أودية "بوردو"، وتألب عليهم أوشاب أوربا من فرنسيين وألمان, وسواهم, حتى انحسر طوفان العرب عن فرنسا غب معركة