لم يكن لهذه النهضة الشاملة، وهذا الإحياء القويّ الذي ظهر في عصر إسماعيل, ورجال البعثات أثر كبير في الأدباء الذين نشأوا في عصر محمد علي, وعاصروا إسماعيل بعد أن جمدت طباعهم، ورسخت عادتهم, وصار عسيرًا عليهم أن يتقبلوا الأفكار الجديدة, ويغيروا أسلوبهم في التعبير والتفكير، ولم يكن من المنتظر أن تؤثر النهضة في مثل هؤلاء الأدباء، ولم يتشربوا مبادئها، ويسيروا على هداها، ويتمتعوا بنورها ردحًا طويلًا من الزمن، ولم يكن من السهل التخلص من أوضار الماضي وتقاليده، ولا سيما ذلك الماضي القريب الذي يمت إلى عصور الضعف اللغويّ والفكريّ والخلفيّ؛ إذ لم ير الأدباء أمامهم أمثلةً تحتذى إلّا ما قيل في الماضي إن قريبًا وإن بعيدًا, أما الأدب الأوربيّ القويّ فلم يترجم في عصر إسماعيل منه إلّا شيءٌ يسيرٌ وبلغة ضعيفةٍ, ولا سيما الرويات المسرحية، ولو عرفه الأدباء ما استساغوه؛ لأن ثقافتهم كانت محدودة، وكان عصرهم مثقلًا بتلك التقاليد القديمة، والمدارس قليلة العدد، والمتعلمون في الأمة يعدون عدًّا.
هذا، وقد كان اهتمام مصر في عهد محمد علي وإسماعيل بالعلوم أعظم من اهتمامها بالأدب، ولولا ما أخرجته المطبعة العربية حينذاك من الكتب القديمة، واطلاع المحبين في الأدب, والراغبين في التزود من ينابيعه على آثار السلف، ودواوين كبار الشعراء الذين ظهروا في عصور القوة, لما كان للأدب في مصر والشرق العربيّ نصيب.
ولما كان الأدب الموروث هو أول ما عرفوا من الآداب, كان طبيعيًّا أن يحتذوه، ويحاكوه في موضوعاته وأسلوبه، ومعانيه وأخيلته، وقد تفاوت الأدباء في هذا التقليد تبعًا لمواهبهم وشخصياتهم، كما تفاوتوا في اختيار من قلدوهم فمنهم:
١- أدباء لم تكن لهم شخصية ألبتة، بل ساروا في الطريق المعبَّد الذي سلكه مِنْ قبلهم أدباء عصور الانحطاط والضعف، ذلك هو طريق الشعراء النظامين أو العروضيين, لا يعرفون الشعر والأدب إلّا أنه مهارةٌ لفظيةٌ وقدرةُ على التفوه بعباراتٍ شعريةٍ ونثريةٍ لا حياة فيها ولا عاطفة ولا قوة, وإنما غرضها إظهار