البراعة في اقتناص ألوان البديع، حتى إنهم ليخلون بالإعراب في الكمات والتصريف، إذا تعارض الإعراب أو التصريف مع ما يريدونه من جناسٍ أو طباقٍ، ويفسدون بنية الكلمة، عساها تصادف ما يجرون وراءه من هذه الحلى التي يسترون بها عوار لغتهم الركيكة, وأفكارهم السقيمة، وخيالاتهم المريضة، ومثال هذه المدرسة العروضية في عصر إسماعيل: السيد علي أبو النصر, والشيخ علي الليثي، ولولا ما بهما من ظرفٍ طبيعيٍّ، ورقة قاهرية، ولولا أنهم أَلِفَا منادمة الأمراء والعظماء، وتطلبت المنادمة منهما أدبًا وحلاوة نكتة، وسرعة بديهة, لما خرجا عن نطاق أدباء مصر والشام إبَّان الدولة العثمانية، ولما امتازا بشيءٍ عن عبد الله الشبراوي، وحسن قويدر, وأضرابهما.
٢- أدباء كانت لهم -مع تقليدهم للسلف والأدب الموروث -شخصية، بيد أن هذه الشخصية كانت ترى من بعيد، ومن خلف الحجب الكثيفة من التقاليد، في العبارات والأساليب والأخلية، حائلة غير واضحة ولا مميزة، ولكنها تدل على أن هذا الأديب قد جاهد في أن ينفذ بشاعريته وأدبه من خلال هذه الحوائل الغليظة، وإن لم تمكنه شخصيته القوية، ولا أدبه المتين من التغلب عليها، خير مثل لهذا النوع من الأدباء هو: محمود صفوت الساعاتي، وإبراهيم مرزوق، وصالح مجدي.
٣- أدباء قويت شخصيتهم بعض الشيء، وحاولوا أن يجددوا، وأن يلونوا أدبهم بما يظهر نفسيتهم, ويطبعه بطابعهم، وقد نجحوا في ذلك أحيانًا، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقاوموا سيطرة الأدب الموروث، ولا إغراء المحسنات، والزخارف، فضعفت هذه الشخصية، وتضاءلت أمام هذا الإغراء، فجاء أدبهم إبَّان هذا الضعف من نمط المدرسة الثانية، ومن هذه المدرسة: عبد الله فكري، تراه آنًا ينطلق على سجيته ولا يتقيد بهذه الصناعة السمجة المتكلفة في نثره، وبهذه الزخرفة اللفظية الممجوجة, فتتضح شخصيته وتنجلي فكرته، ويترسل في كتابته, فيفهم الناس منه ما يقول دون عناء، وهذا قليل في كتابته، وآنًا يجذبه ذلك الزخرف فيستعد ويهتم ويحتفي بموضوعه, ويبذل جهدًا شديدًا في صوغ العبارات، ويكاد هذا يطغى على شخصيته، وأكثر شعره ونثره من هذا الطراز.