للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إن أهالي مصر قبل سنة ١٢٩٣هـ كانو يرون شئونهم العامة بل والخاصة, ملكًا لحاكمهم الأعلى، ومن يستنيبه عنه في تدبير أمورهم، يتصرف فيها حسب إرادته، ويعتقدون أن سعادتهم وشقاءهم موكولان إلى أمانته وعدله, أو خيانته وظلمه؛ ولا يرى أحد منهم لنفسه رأيًا يحق له أن يبديه في إرادة يتقدم بها إلى عمل من الأعمال يرى فيها صالحًا لأمته، ولا يعلمون من علاقة بينهم وبين الحكومة سوى أنهم مصرفون فيما تكلفهم الحكومة به وتضربه عليهم.

وكانوا في غاية البعد عن معرفة ما عليه الأمم الأخرى, سواء كانت إسلامية أو أوروبية, ومع كثرة من ذهب منهم إلى أوروبا وتعلم فيها من عهد محمد علي الكبير إلى ذلك التاريخ، وذهاب العدد الكثير منهم إلى ما جاورهم من البلاد الإسلامية إيام محمد علي باشا الكبير, وإبراهيم باشا, لم يشعر الأهالي بشيء من ثمرات تلك الأسفار، ولا فوائد تلك المعارف, ومع أن إسماعيل باشا أبدع مجلس الشورى في مصر سنة ١٢٨٣، وكان من حقه أن يعلم الأهالي أن لهم شأنًا في مصالح بلادهم, وأن لهم رأيًا يرجع إليه فيها، لم يحس أحد منهم ولا من أعضاء المجلس أنفسهم بأن لهم ذلك الحق الذي يقتضيه تشكيل هذه الهيئة الشورية؛ لأن مبدع المجلس قيده في النظام وفي العمل، ولو حدث إنسانًا فكره السليم بأن هناك وجهة خيرٍ غير التي يوجهها إليه الحاكم لما أمكنه ذلك؛ فإن بجانب كل لفظ نفيًا عن الوطن، أو إزهاقًا للروح، أو تجريدًا من المال".

وكان الأدب صدى لهذه الحياة البئيسة التي تقبر فيها الحريات وتغل العقول، ويتغنى بما قام به هذا الحاكم الظالم من أفعال وضيعة، ويصور سيئاته حسنات، وسخافاته آيات، وحماقاته معجزات، ولكن الأدب الجديد ينظر إلى هذه الشعوب، ويجعل خيرها غايته, فيجمعهم على من اعتدى عليها، ويبين للناس سوء حالهم, ومواضع بؤسهم وأدوائهم، وطرق علاجها، ويقف للحكام بالمرصاد، يذيع سيئاتهم ومظالمهم وينقدهم في غير هوادة أو رفق، ويشجع أفراد الأمة على المطالبة بحقوقهم، وألّا يخشوا بأس الحاكم وجبروته؛ لأنه مدين بقوته لهم، وبغناه وضياعه لكدهم وكدحهم.

واستمع كذلك إلى الأستاذ الشيخ محمد عبده كيف يحرض الأمة على خلع نير العبودية، والحد من سطوة الحاكم الغاشم، وينعى عليه جهله وسفالته:

<<  <  ج: ص:  >  >>