وقد أرسل محمد علي إحدى عشرة بعثةً, آخرها سنة ١٨٤٧، وكان شديد العناية بأعضاء البعثات, يتقصى أنباءهم، ويشرف على دراستهم باهتمام، ويكتب لهم من حينٍ لآخر رسائل يستحثهم فيها على العمل والاجتهاد، وينبههم إلى واجباتهم؛ وذلك لشدة حاجته في نهضته إلى من يقف بجانبه، وينفذ مشروعاته الضخمة، وقد ذكر رفاعة الطهطاوي نموذجًا من الرسائل التي وجهها محمد علي إلى طلبة البعثات، ويوبخهم فيها على تقصيرهم، ويحثهم على الاجتهاد، وبتعجلهم في قطف ثمار تحصيلهم١.
كان لهذه البعثات كلها أثرٌ بالغٌ في تقدُّم مصر ونهضتها، وإرسال نور العلم دافقًا قويًّا في ربوعها، كما كان لها أعظم الفضل في إحياء اللغة، وجعلها مسايرةً للعلم الحديث، بما ترجم أعضاؤها من كتبٍ, وما أدخلوه من مصطلحات، وما ألفوه في شتَّى نواحي العلم.
الترجمة:
اقتضت النهضة أن تنقل كنوز الغرب إلى اللغة العربية, فأسست في سنة ١٨٣٦ مدرسة الإدارة والألسن، وعهد بالإشراف عليها لرفاعة الطهطاوي, ولما كان تاريخها مرتبطًا به، ونهضة الترجمة في عصر محمد علي وخلفائه ثمرة جده وكده، رأينا أن نترجم له ترجمةً موجزةً, فحياته حياة مدرسة الإدارة والألسن: لأنها وجدت بفضله، وانتهت بخروجه منها.
١ راجع الرسالة: في تخليص الإبريز لتلخيص باريز, لرفاعة بك ص١٥١، وفي تاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعي ج٣ ص٤٥٥.