للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبأة أطلقت عيني عن سنة ... كانت حبالة طيف زارني سحرًا

فقمت أسال عيني رجع ما سمعت ... أذني، فقالت: لعلي أبلغ الخبرا

ثم اشرأبَّت فألفت طائرًا حذرًا ... على قضيب يدير السمع والبصرا

مستوفزًا يتنزى فوق أيكته ... تنزي القلب طال العهد فادركرا١

لا تستقر له ساق على قدم ... فكلما هدأت أنفاسه نفرا

يهفو به الغصن أحيانًا ويرفعه ... دحو الصوالج في الديمومة الأكرا٢

ما باله وهو في أمن وعافية ... لا يبعث الطرف إلّا خائفًا حذرا

إذا علا بات في خضراء ناعمة ... وإن هوى ورد الغدران أو نقرا

فأنت تراه يتتبع الطائر في أقل حركة له، ويحاول أن يستشف دخيلة قلبه الصغير ليعرف سر فزعه، وترقبه، ويتعجب لهذه الحياة القلقة المضطربة, مع أن ظاهر الأمر ينبئ أنه في نعمة وعافية، وهذه لعمري خطرات شاعر مرهف الإحساس جياش العاطفة.

واستمع إليه يصف غيضة احتلها في "قندية" أيام حرب كريت:

ومرتبع لذنا به غب سحرة ... وللصبح أنفاس تزيد وتنقص٣

وقد مال للغرب الهلال، كأنه ... بمنقاره عن حبه النجم يفحص٤

رقيق حواشي النبت، أما غصونه ... فريا، وأما زهره فمنصص٥

إذا لاعبت أفنانه الريح خلتها ... سلاسل تلوى، أو غدائر تعقص٦

كأن صحاف الزهر والطل ذائب ... عيون يسيل الدمع منها وتشخص٧

يكاد نسيم الفجر إن مر سحرة ... بساحته الشجراء ولا يتخلص

كأن شعاع الشمس والريح رهوة ... إذا رد فيه سارق يتربص٨

يمد يدًا دون الثمار، كأنما ... يحاول منها غاية ثم ينكص


١ مستوفزًا: غير مطمئن, قد تهيأ لوثوب، ويتنزى: يثب.
٢ دحا اللاعب الكرة: دفعها ورماها بيده، والديمومة: الأرض المستوية.
٣ المرتبع: المكان الذي يرتبع فيه القوم، أي: يقيمون زمن الربيع.
٤ في هذا البيت إشارةٌ إلى أن الليلة التي يصفها كانت في آخر الشهر العربيّ، وحبة النجم: أي: النجم الشبيه بالحبة.
٥ رقيق: صفة لمرتبع، منصص: ظاهر مرتفع بعضه فوق بعض.
٦ الغدائر ج غديرة، وهي الذؤابة من الشعر إذا كانت مرسلة، غير ملوية ولا معقوصة، وتعقص: تضفر.
٧ تشخص: تنفتح ولا تطرف.
٨- الرهو: الرقيق، ورد فيه: أي: إذا تردد الشعاع في المرتبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>