للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذا المكافح أبى أن يتقبل هذه الإهانة, وأقسم ألّا يكفَّ عن الشاه حتى يسقطه عن عرشه, وقد بَرَّ بقسمه، وذلك بتحريضه العلماء والزعماء, وتعديده مساوئ الشاه وتجسيمه أخطاءه، ولا سيما تعاقده مع شركة إنجليزية للدخان، واضطر الشاه إلى فسخ العقد, ودفع تعويض مالي كبير، فكان ذلك أول خطورة في الانتقام.

وأخيرًا ذهب السيد إلى لندن, وأصدر مجلةً شهريةً سماها: "ضياء الخافقين" بالعربية والإنجليزية، وكان يكتب بها مقالاتٍ بإمضاء "السيد الحسيني".

خاتمة المطاف:

ثم رأى السلطان عبد الحميد أن يدعو إليه جمال الدين خشية أن ينضم إلى حزب تركيا الفتاة فيزيد قوته، وأرسل عبد الحميد رجاله يغرون السيد بالسفر إلى الآستانة, ويمنونه الأمانيّ الحلوة حتى استجاب لدعواه, فكان بها كأنه في قفص من ذهب، ويحصون عليه حركاته وأقواله، وإن لقي من السلطان حظوةً عالية. بيد أن الحاشية ولا سيما أبو الهدى الصيادي, ذلك الداهية المحتال الذي أتقن فن الدس والمؤمرات, وتمكَّن من قلب السلطان حتى أصبح قوَّةً غلابةً، وقد أفسدوا السلطان عليه، وما لبث عبد الحميد أن اصطدم بآراء السيد وجرأته، ولم يدع السيد فرصةً إلّا حرَّضه فيها على الإصلاح، وإقصاء الخونة والجبناء عن حاشيته, ولكن لم يستجب لشيءٍ من هذا.

ولما قُتِلَ شاه العجم سنة ١٨٩٦ على يد أحد تلاميذ السيد, اشتدت الريبة في جمال الدين, وضُيِّقَ عليه حتى صار محبوسًا في قصره، ولما أراد الرحيل ترضَّاه السلطان خشيةَ أن يشنها عليه حربًا شعواء في الخارج، وهو تحت سمعه وبصره أهون، ثم مرض السيد بالسرطان في فمه ومات، وشاعت الأقوال بأنه مات مسمومًا، أو أن الطبيب أهمل في علاجه عمدًا١, وكانت وفاته في ٩مارس سنة ١٨٩٨، ودفن في قبرٍ حقيرٍ كما يدفن أقل الناس، وطُمِسَت معالم هذا القبر إلى أن قَيَّضَ الله رجلًا أمريكيًّا يبحث عنه, حتى وجده فجدده، وبنى عليه حاجزًا حديديًّا, وشاده بالرخام, وكتب على أحد وجوه


١ راجع حاضر العالم الإسلامي, ج١ ص٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>