للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتولى الزعامة١، وأخذ يرسل إلى القرى والمدن ينشر فيها دعوته ويبين لأهلها "أن الوزارة الرياضية قد ركبت متن الشطط وعدلت عن الصراط المستقيم، وليس لها من نية سوى العمل على ما فيه اضمحلال البلاد وتلاشيها بما هو جارٍ من بيع الأراضي للأجانب, وتسليم أغلب مصالح الحكومة لهم, وإعطائهم الرواتب الفادحة المثقلة على أكتافهم، وإن سكوتنا وإضرابنا عن هذه كله يُعَدُّ من الجبن والعجز والتفريط في وطننا٢" وطلب منهم في النهاية أن ينيبوه عنهم في كل ما يتعلق بأحوال البلاد، وأن يوقعوا على ذلك.

وبهذا هيأ عرابي لثورة ٩ سبتمبر ١٨٨١، وقد دار بينه وبين توفيق في ذلك اليوم حوارٌ بدا هادئًا ثم اشتد، قال عرابي ثائرًا "ولقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا وعقارًا، فوالله الذي لا إله إلّا هو, إننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم" فهرب توفيق وترك الأمر لبعض حاشيته، وقد سلَّم توفيق لعرابي بكل ما طلب.

وألف شريف الوزارة الجديدة، وذهب عرابي مع وفد من الضباط لتهنئته، وخطب خطبة ضافية أكد فيها حقوق البلاد، وقبل أن ينقل إلى الزقازيق مع فرقته, وقد وقف في محطة القاهرة يودع الألوف التي جاءت لتحيته, وارتجل هذه الخطبة "سادتي وإخواني! بكم ولكم قمنا وطلبنا الحرية، وقطعنا غرس الاستعباد، ولا ننثني عن عزمنا حتى تحيا البلاد وأهلها, وما قصدنا بسعينا إفسادًا ولا تدميرًا, ولكن لما رأينا أننا بتنا في إذلالٍ واستعبادٍ، ولا يتمتع في بلادنا إلّا الغرباء, حركتنا الغيرة الوطنية والحمية العربية إلى حفظ البلاد وتحريرها والمطالبة بحقوق الأمة.

ومن قرأ التواريخ يعلم أن الدول الأوربية ما تحصلت على الحرية إلّا بالتهور وإراقة الدماء، وهتك الأعراض وتدمير البلاد، ونحن اكتسبنها في ساعة واحدة من غير أن نريق قطرة دم, أو نخيف قلبًا, أو نضيع حقًّا, أو نخدش شرفًا.

وما أوصلنا إلى هذه الدرجة القصوى إلّا الاتحاد والتضافر على حفظ شرف البلاد..


١ المرجع السابق ص٢٣٦، ومصر للمصريين, ج٤ ص٩٠.
٢ عبد الله نديم: "التنكيت والتبكيت" العدد ١٧، ومصر للمصريين ج٤، وكشف الستار ص٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>