للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحين قال مخاطبًا الشعر:

ضعت بين النهى وبين الخيال ... يا حكيم النفوس يابن المعالي

ضعت في الشرق بين قوم هجود ... لم يفيقوا وأمة مكسال

قد أذالوك بين أنس وكاس ... وغرام بظبية أو غزال١

ونسيب ومدحة وهجاء ... ورثاء وفتنة وصلال

حملوك العناء من حب ليلى ... وسليمى ووقفة الأطلال

وبكاء على عزيز تولى ... ورسوم راحت بهن الليالي

وإذا ما سمعوا بقدرك يومًا ... أسكنوك الرجال فوق الجمال

فارفعوا هذه الكمائم عنا ... ودعونا نشم ريح الشمال٢

نعم إن حافظًا قد رغب في التجديد، ولكنه لم يستطع التجديد إلا في حدود ضيقة؛ إذ جدد في أغراضه، وإن لم يجدد في صوره. وسنخصه ببحث طويل إن شاء الله. ولكن صيحته هذه تدل على ما كان عليه الشعر في أول عهده، وعلى الرغبة الملحة في مسايرة العصر ومقتضياته: لقد جنى الإنجليز بسياستهم التعليمية على الأدب بعامة، وعلى الشعر بخاصة، وإذا كانت هناك نهضة في الأدب بعد ذلك فهي ليست ثمرة تعليمهم، وإنما هي نتيجة بواعث أخرى سنذكرها فيها بعد إن شاء الله.

رأى "كرومر"بعد أن فرغ من الإصلاحات المالية والداخلية التي منَّ بها علينا في كتابه "مصر الحديثة" وفي خطبة الوداع التي ألقاها حين غادر مصر، وعدد فيها ما ظنه خيرًا قدمه لمصر، رأى بعد هذا أن يلتفت إلى نشر الثقافة الإنجليزية بالبلاد. ونسى أن إصلاحاته المالية والداخلية كلها قد أحبطتها سياسته التعليمية حتى دعت شاعرًا مثل حافظ أن يقول مخاطبًا "اللورد كرومر":


١ أذالوك. أهانوك ولم يحسنوا القيام عليك.
٢ ريح الشمال؛ كناية عن أوربا والأدب الغربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>