وقد أثارت هذه الحملة الجائرة ضد اللغة الفصحى سخط الأدباء والكتاب، ورجال الوطنية المصرية، فقابلوها بحملة أشد منها، واشتهر من هؤلاء محمد المويلحي صاحب حديث عيسى بن هشام، وألفت جمعيات من أدباء مصر لنشر الفصحى والذود عنها، ومقاومة اللغة العامية وطغيانها، ولقد أسهم الشعراء في هذه المعركة، فقال حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة عن اللغة العربية سنة ١٩٠٣، مرددًا فيها شتى الحجج التي يدافع بها أنصار الفصحى، ومشيرًا إلى حملات الإنجليز عليها، وهذه هي القصيدة التي لا تتضح مراميها التاريخية إلا بعد معرفة المعركة على حقيقتها، وقد قالها على لسان اللغة الفصحى:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ... وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب، وليتني ... عقمت، فلم أجزع لقول عداتي
ولدت ولما لم أجد لعرائسي ... رجالًا، وأكفاء وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظًا وغاية ... وما ضقت عن أي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ... وتنسيق أسماء لمختراعات
أنا البحر في أحشائه الدركامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني ... ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فقلا تكلوني للزمان فإنني ... أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أيطربكم من جانب الغرب ناعب ... ينادي بوأدي في ربيع حياتي
ولو تزجرون يومًا علمتم ... بما تحته من عثرة وشتات
أرى كل يوم بالجرائد مزلقًا ... من القبر يدنيني بغير أناة
وأسمع للكتاب في مصر ضجة ... فأعلم إن الصائحين نعاتي
أيهجرني قومي عفا الله عنهم ... إلى لغة لم تتصل برواة
سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى ... لعاب الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة ... مشكلة الألوان مختلفات
إلى معشر الكتاب والجمع حافل ... بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث الميت في البلى ... وتنبت في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامة بعده ... ممات لعمري لم يقس بممات