للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يناديك وليت الوزارة هيئة ... من الصم لم تسمع لأصواتنا صدى

فليس بها عند التشاور من فتى ... أبي إذا ما أصدر الأمر أوردا

وحاولت إعطاء الغريب مكانة ... تجر علينا الويل والذل سرمدا

تأثر حافظ في رأيه في الإنجليز، ومخاطبتهم خطابًا لينًا بأستاذه الشيخ محمد عبده كما ذكرنا؛ لأن لمحمد عبده أيادي لا تنسى على حافظ، فقد كان فقيرًا فأعانه، وجاهلًا فعلمه، ومغمورًا فرفع ذكره، وعرفه بكثير من عظماء مصر وعلمائها، فلا بدع إذا انتهج منهجه في موادعتهم، ومعرفة منزلتهم، والاعتراف بما يسدونه إلى مصر من جميل.

ولكن حافظًا -كان في طبعه- وطنيًّا مخلصًا، ولم يكن ولا شك ممن يؤيدون حكم الإنجليز بمصر عن عقيدة، لذلك نراه بعد موت أستاذه الشيخ محمد عبده سنة ١٩٠٥ يتغلب عليه عاملان آخران: هذه الوطنية الكامنة في نفسه، ثم ظهور رجال الوطنية المصرية يهزون مصر هزًّا عنيفًا، وتتنبه للخطر الجاثم فوق صدرها، ولا يرون الاحتلال ورجال نعمة، ولا يستسلمون للحوادث استسلام الشاة لذابحها. بل كانوا ثائرين لهم جرائد فيها أقلام مرهبة كالسيوف مضاء وحدة، يسلقون بها كل من يناصر الاحتلال ويؤيده.

ونرى حافظ يستجيب لنداء وطنيته الكاملة في نفسه أولًا، ولنداء هؤلاء الثائرين ثانيًا بعد وفاة أستاذه، ويصدر في شعره عن عاطفة متقدة فيها مهادنة لرجال الاحتلال أو مد يد الصداقة إليهم فما أن وقعت حادثة دنشواي سنة ١٩٠٦، حتى أذاع قصيدته بعد صدور الحكم بخمسة أيام فنشرها في ٢ من يولية ١٩٠٦.

وكان حافظ في هذه القصيدة، وقد ابتدأ يجهر بمعاداته الإنجليز؛ كمن يتحسس طريقًا لم يألفه، تراه حذرًا تارة، قويًّا تارة أخرى، معاتبًا في لطف أحيانًا، متهكمًا أحيانًا، كان من المنتظر منه والعاطفة على أشدها، ودماء القتلى تملأ الجو برائحتها وصرخات المجلودين تصم الآذان أن تكون قصيدته ثورة على الظلم والاستعباد والقسوة، ولكنه كما ذكرنا كان لا يزال قريب عهد بموالاتهم، اسمعه يقول في مطلعها:

<<  <  ج: ص:  >  >>