للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروى عن محمد علي أنه لما عاد أعضاء البعثة الأولى إلى مصر استقبلهم بديوانه بالقلعة، وسلَّمَ كلًّا منهم كتابًا بالفرنسية في المادة التي درسها بأوربا، وطلب إليهم أن يترجموا تلك الكتب إلى العربية، وأمر بإبقائهم في القلعة، وألّا يؤذن لهم بمغادرتها حتى يتموا ترجمة ما عهد به إليهم، فترجموها، وأمر بطبعها وتوزيعها على المدارس التي وضعت لها تلك الكتب١.

وكان للوقائع المصرية التي أنشأها محمد علي فضلٌ في تذليل الأسلوب العربيّ للأخبار الصحفية، وكانت على عهده تنشر أخبار الحكومة ومصالحها, وبعض الأنباء الخارجية, وكان يحررها نوابغ العلماء في عهده.

كل هذا ولا شك قد مهد اللغة نوعًا ما للعصر الثاني في النهضة, وهو عصر إسماعيل, وهيأ جيلًا من العلماء والمفكرين، ومحبي الفنون والآداب، قادوا مصر في عهد إسماعيل إلى مدى واسع من الرقيِّ والتعليم.

على أن النهضة السورية اتجهت وجهةً أدبيةً من أول أمرها بخلاف النهضة المصرية، وقد وقفنا على الدوافع التي حولت نهضة مصر إلى وجهة علمية، أما الأسباب التي جعلت نهضة سورية أدبيةً، فهي أن المبشرين كانوا حملة مشاعل تلك النهضة أول الأمر، وكان همهم نشر التعاليم الدينية طبقًا للمذاهب المسيحية الغربية، وقد عنوا بترجمة التوارة، وظلَّ الجدل الدينيُّ مسيطرًا على الصحافة السورية ومجالس الأدب ثمة ردحًا طويلًا من الزمن، ولعل هذا يعلل لنا سبق السوريين في الصحافة, وإتقانهم لإخراجها وتبويبها، وقد ظهرت ثمرة هذا الميل الأدبيّ عند السوريين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولنا إليه عودة.


١ راجع تاريخ الحركة القومية للرافعي, ج٣ ص٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>