للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسوقي البارد، ومن شأنه أن ينبسط وينقبض على شئت منه، وما يتفق فيه من الحسن الشعري، فإنما هو كالذي يتفق في صوت المطرب حين يتكلم، لا حين يتغنى، فمن قال: الشعر المنثور، فأعلم أن معناه عجز الكاتب عن الشعر من ناحية، وإدعاؤه من ناحية أخرى١".

لقد كان هؤلاء السوريون المهاجرون إلى مصر وإلى أمريكا ثائرين على الأدب العربي القديم ثورة جامحة، وحاولوا أن يجددوا على نمط الشعر الغربي، ويقولون: "لسوء حظنا أن آدابنا العربية قصرت عن مجاراة الحياة لأجيال كثيرة، فكان نصيبها الجمود والخمود، فقد مرت بنا قرون ونحن لا نجد نغمة نلحنها سوى نغمة القدماء، فإن تغزلنا فبلسان العيس، وإن ندينا فبلسان باكي الأطلال، والدمن، وإن هزتنا الحمامة طعنَّا بالهندوابي والأقني، وإن مدحنا أنزلنا الشمس عن عرشها، وكسفنا البدر ووطئنا هام الثريا، ولجمنا أمواج البحار. زد على ذلك أن غزلنا تكلف، وبكاءنا بلا حرقة، ولا دموع، وحماستنا بلا شعور، ومديحنا مغالاة واختلاق باختلاق فآدابنا ليست إلا جثة بلا روح؛ لأنها تحاول تقليد القدماء، وناسية أن روح مصر وسوريا اليوم ليست روح عدنان وقحطان واليمن أو بغداد أو غرناطة أو أشبيلة من ألف أو ألفي سنة٢".

ولم يكتف شعراء المهجر بهذه الدعوة إلى التحرر من تقاليد الأدب العربي وزخارفه ومبالغاته. حول دعوا إلى أن الشعر يجب أن يمثل الحياة: فالحياة والأدب توأمان لا ينفصلان وإلى أن نظم الشعر "ممكن في غير الغزل والنسيب والمدح والهجاء، والوصف، والرثاء، والفخر والحماسة"٣.

وثاروا على العروض والأوزان ثورة عنيفة كما رأيت في الأمثلة التي سقتها إليك٤، وهذا هو جيران خليل في مقاله: "لكم لغتكم ولي لغتي" يثور على كل شيء يثور على اللغة، فلا يعترف بمعاجم، ويثور على "العروض والتفاعيل والقوافي، وما يحشر فيها من جائز وغير جائز" ويثور على الأغراض فيقول:


١ المقتطف يناير ١٩٢٦، ص٣١.
٢ مجلة الهلال -يولية ١٩٣١ ص٤٢٧ من كلام الرابطة القلمية بنيويورك.
٣ ميخائيل نعيمة في الغربال ص٢٤ طـ ثانية.
٤ راجع كذلك الغربال ص٩٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>