للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك كله كان إقبالهم على قراءة "ويتمان" وحبهم له وتأثرهم به والتقائهم معه في منازعة لظروفهم التي ذكرت طرفًا منهم مع تأثرهم بالنزعة الرومانتيكية بعامة.

كان مهاجرو الشمال أكثر ثورة على اللغة العربية وعلى تقاليد الأدب الموروث من شعراء الجنوب الذين حافظوا على "أصول اللغة بقوة وروعة؛ لأن بضاعتهم كانت كلها شعرًا، ومن الصنف الممتاز بجودة الصياغة وحرارة العاطفة ورخامة النغم؛ ولأن النزعة القومية كانت الغالبة عليهم، فالشعوب التي ترزح تحت الاحتلال أو الانتداب، المتعطشة إلى الانعتاق من نير الاستعمار لا يستهويها في محنتها مثل الشعر الوطني الحماسي الصادق النبرات الذي يعبر عن واقعها وعن شعورها وعن أمانيها١".

انهارت الرابطة القلمية بعد موت جبران في سنة ١٩٣١، ولكن الشعر المهجري وجد دعامته في العصبة الأندلسية التي أسست في سان باولوا سنة ١٩٣٢، فكان هؤلاء أكثر حفاظًا على تقاليد الأدب العربي واللغة من سواهم، ومن أشهرهم الشاعر القروي سليم الخوري، وإلياس فرحات وآل المعلوف، وإن ظل إيليا أبو ماضي في الشمال يوالي نتاجه الرائع حتى توفي في ٤ من نوفمبر ١٩٥٧.

ويتسم الشعر المهجري -بعامة: شماليه وجنوبيه- بهذه الحرية في التعبير وبالتأمل في الكون وفي الإنسان فردًا وفي المجتمع وفي الطبيعة وفي حقيقة الوجود والبحث عنها، وفي النزعات التصوفية عند اشتداد الأزمات النفسية.

لقد كان الانطلاق، والانعزال عن دنيا الإقطاع الفكري، وعن الأوساط الرجعية في الوطن هي السبب في شعورهم الحاد بالحرية وبالذاتية، وقد بلور ميخائيل نعيمة رأيه في الشعر الذي يدعو إليه ووضع مقاييس حتى يؤدي الأدب مهمته الحقيقية في الحياة ويلبي رغبات النفس بقوله: "الغربال" مبينًا هذه الحاجات:


١ أدبنا وأدباؤنا ص١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>