الأحوال, بحلب سنة ١٨٥٥، وإن لم تعمِّر أكثر من عام واحد، ثم صدرت حديقة الأخبار, ببيروت سنة ١٨٥٨, وظلت تصدر حتى سنة ١٩٠٩، وكانت يومًا لسان الحكومة الرسميّ، ثم خطت الصحافة خطوةً أوسع في سبيل الرقيّ بصدور الجوائب لصاحبها أحمد فارس الشدياق, بالآستانة سنة ١٨٦٠, وقد طلعت على الناس بأسلوبٍ جديد في الكتابة العربية، وافتَنَّ صاحبها في تحريرها، وتخير موضوعاتها.
فجمعت بين السياسة والأدب بشتَّى ضروبه وأبوابه, بما في ذلك القصائد البليغة لكبار شعراء العربية، فذاعت، وأقبل الناس على قراءتها بشغفٍ بالغٍ، لم تدع بلدًا عربيًّا، بل إسلاميًّا إلّا دخلته, وقد سافرت كذلك إلى كثير من بلدان الغرب، واقتبسوا منها، وحكو عنها، وظلت تعمل حتى سنة ١٨٨٤، أما صاحبها:
أحمد فارس الشدياق:
هو من رواد النهضة الحديثة في الأدب، وممن سبق بفكره، وقلمه، وعلمه, أبناء زمانه لكثرة ما قرأ، وجرب ورأى بعينيه، وسمع بأذنيه؛ لأنه جاب بلادًا عديدة، وعرف لغاتٍ شتَّى، وأفاد مما رأى، ومما قرأ وعرف، فكان نادرةً من نوادر عصره.
وُلِدَ بقرية عشقون في لبنان سنة ١٢١٩هـ-١٨٠٤م, من أسرة مارونية مشهورة, ثم انتقل والده إلى قرية "الحدث" بالقرب من بيروت، وتيتم فارس بن منصور "وعرف فيما بعد باسم: أحمد فارس الشدياق" وهو صغير، وكانت تتراءى عليه علامات النجابة؛ فأتقن صناعة الخط، وجعل ينسخ الكتب بنفسه، ولغيره, طلبًا للرزق.
وكان له أخٌ يسمى:"أسعد" على حظٍّ وفيرٍ من العلم والذكاء, وعليه تلقى فارس دروسه الأولى، وأفاد منه فائدةً جليلةً, ووجهه وجهةً صالحةً، وغرس في نفسه محبة العلم.
ثم اضهد "سعد" من بطريك المورانة، وسيم ألوانًا من العذاب، لتغيير