للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمتزج بالحياة الإنسانية فهو ممتزج بالشعور، صالح للتعبير، واجد عند التعبير عنه صدى مجيبًا في خواطر الناس"١.

ولعلك ترى العقاد لا يركز في نقطة واحدة يدور حولها نقده، ولا يتمسك برأي في هذا النقد، وليس لذوقه أصول يرتكز عليها نقده، شأن أستاذه "هازلت"، وليس من همي الآن أن أناقشه مستحسنًا أو معارضًا وإنما أحاول أن أبين أثر نقده في الشعر المعاصر، فالعقاد كما رأيت يدعو إلى وحدة القصيدة، ويدعو إلى عدم الإحالة والتعسف والمبالغة ثم يفسر المبالغة بأنها التي لا تتنافى والحقيقة الفنية، ويرى أن موضوع القصيدة يشمل كل شيء في الحياة، وأن الشعر ليس من الضروري أن يكون ذا فائدة، وأنه ليس من شروطه أن يمثل البيئة أو المجتمع، ثم بعد ذلك يرى أن كل ما يمتزج بالحياة الإنسانية فهو ممتزج بالشعور جدير بأن يكون موضوعًا شعريًّا، صالح للتعبير، وأجد عند التعبير عنه صدى مجيبًا في خواطر الناس. أو ليس ذلك هو ما يشغل أذهان الناس في زمن ما وفي بيئة ما، فما باله يعيب على شعرائنا أن يقولوا في الحوادث السياسية، وأن يصفوا طبيعة مصر، ويصوروا المجتمع المصري بما فيه من أدواء تستحق العلاج ويتحسروا على إهمال الطبقات الفقيرة، أو ليس ذلك اهتمامًا بالطبقة العاملة في الأمة واهتمامًا بالإنسانية التي حرص العقاد على أنه يكون شعره وقفًا عليها؟ ولكنه يعارض فكرة القومية كما فهمها هيكل، وكما طبقها شوقي وحافظ وغيرهما.

ومهما يكن من أمر، فإن مدرسة العقاد وشكري والمازني عنيت بالمعنى عناية فائقة، وعنيت بالفكرة، وإخراجها واضحة، ولو لم تكن في أسلوب رائق، ولفظ مونق، وإن حاولوا مرارًا أن يدافعوا عن بلاغة العبارة، وفي ذلك يقول المازني في انتقاده لشكري: "وأنت أيها القارئ قد تعلم أن سر النجاح في الأدب هو علو اللسان، وحسن البلاغ، وقوة الأداء، وأن على من يريد أن يشرح دينًا جديدًا "لأطفال" هذا العالم أن يحثهم بما أحب أسلافهم في سالف الزمن، أو بما


١ مقدمة عابر سبيل ص ٧-٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>