للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقسم لو غضبت على ثبير ... لأزمع عن محلته إرتحالا

ويقول صبري في القصيدة:

وآزرته جماهير تسيل بها ... بطاح واد بماضي القوم ملآن

ويشبهون إذا طاروا إلى عمل ... جنًا تطير بأمر من سليمان

برًّا بذي الأمر، لا خوفًا ولا طمعًا ... لكنهم خلقوا طلاب إتقان

الصورة في البيت الأول تمت بصلة إلى قول الشاعر. "وسالت بأعناق المطي الأباطح" وتشبيه القوم المهرة بالجن تشبيه قديم تردد كثيرًا على ألسنة الشعراء من ذلك قول النابغة:

سهكين من صدأ الحديد كأنهم ... تحت السفور جنة البقار١

وقوله عنترة:

لا أبعد الله عن عيني غطارفة ... إنسًا إذا نزلوا جنًا إذا ركبوا

ويظهر إسماعيل صبري في أحسن حالاته الشعرية حين يقول:

أين الألي سجلوا في الصخر سيرتهم ... وصغروا كل ذي ملك وسلطان

بادوا وبادت على آثارهم دول ... وأدرجوا طي أخبار وأكفان

وخلفوا بعدهم دبًا مخلدة ... في الكون ما بين أحجار وأزمان

وزحزحوا عن بقايا مجدهم وسطا ... عليهم العلم ذاك الجاهلي الحاني

ويل له، هتك الأستار مقتحمًا ... جلال أكرم آثار وأعيان

للجهل أرجح منه في جهالته ... إذا هما وزنا يومًا بميزان

وهذه الأبيات تدل على نزعة قومية في نفس صبري وإن جرى في بعض هذه الأبيات في أثر البارودي في قصيدته التي مطلعها٢:

سل الجيزة الفيحاء عن هرمي مصر ... لعلك تدري غيب ما لم تكن تدري

وازدراؤه العلم الذي انتهك حرمات تلك الآثار الغالية واقتحم جلالها، وتفضيله الجهل البريء عليه معنى بديع جدًّا من صبري؛ لأن العلم لم يستطع


١ السهكة: رائحة كريهة من صدأ الحديد على الأبدان، والسنور: السلاح التام، والبقار واد من أودية العرب اشتهر عندهم بالجن.
٢ راجع الجزء الأول من كتاب الأدب الحديث ص٢٠٦ طـ السابعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>