للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكب الخلية ذات القلاع ... وقد كاد جؤجؤها ينحطم١

فإذا كان الأصيل، وسرى النسيم العليل رأيت البحر كأنه مبرد، أو درع مسرد٢ أو أنه ماوية٣ تنظر السماء فيها وجهها بكرة وعشية، وكأنما كسر فيه الحلى، أو مزج بالرحيق القطريلي٤ وكأنما هو قلائد العقيان، أو زجاجة المصور يؤلف عليها وصفًا دقيقًا جميلًا.

واستمع له كذلك يصف الليل وهو على ظهر السفينة، وماذا عسى أن يرى الناظر بالليل، والبحر أمامه ساكن أسود وستر الليل يحجب عنه الدنيا، والسفينة ماضية في طريقها، ولا تخشى ضيرًا، ولا تلوي على شيء، ولا تسمع إلا جرجرتها وهدير الأمواج من حول كأنها تتألم من وقع خطاها، ولكن الشاعر يرى ما لا يراه الناس، ويحس ما لا يحسنون، ويسبح خياله في عالم قل أن يدركوه إلا أن يحققه لهم في نثره الشعري، أو شعره القوي، قال البكري:

"حتى إذا أخضل٥ الليل. وأرخى الذيل، بدا الهلال كأنه حنجر من ضياء يشق الظلماء، أو قلادة، أو سوار غادة، أو سوار لواه الضراب، والليل فيل وهو ناب، أو عرجون قديم، أو نون من خط ابن العديم٦، أو برثن ضيغم، أو مخلب


١جؤجؤ السفينة: صدرها ومقدمتها، والخلية العظيمة.
٢ المبرد: المثقب.
٣ الماوية: المرآة.
٤ القطريلى: منسوب إلى قطريل بلد بالعراق اشتهر بالخمر في القديم.
٥ أخضل: أظلم، وأقبل طيب برده.
٦ ابن العديم: هو كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي حرارة ولد في سنة ٥٨٦هـ وكان محدثًا حافظًا مؤرخًا صادقًا، وفقيها مفتيًا، منشئًا بليغًا؛ وكان رأسًا في الخطب المنسوب ولا سيما النسخ والحواشي وله من المصنفات: تاريخ حلب، وكتاب الداري في ذكرى الدراري، وكتاب في الخط وعلومه وضروبه توفي سنة ٦٦٦هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>