للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسأل صاحبه: لماذا يدعوه إلى هجر الريف. والحضور إلى المدينة: "أأفعل ذلك، وأقطع تلك المسالك رغبة في جوار حاكم ديوان، أو جوار صحبان وخلان، أو لمنافسة أبناء السامة، أو ملابسة هذه العامة".

ويأخذ بعد ذلك في الحديث عن كل واحد من هؤلاء: عن الحاكم وعن الأصحاب وعن أبناء الخاصة، وعن عامة الشعب.

"أما الحاكم فأكثر ما لقيت امرؤ إن أونس تكبَّر، وإن أوحش تكدضر، وإن قصد تخلف وإن ترك تكلف، إمع١، لا يضر، ولا ينفع، على شخص في مرسح التمثيل، فإن طرحت الألقاب، ونزعت هاتيك الثياب، ألفيت تحتها العجب العجاب.

أبا الأسماء والألقاب فيكم ... ينال لا مجد والشرف اليفاع

لا عدة ولا عدد، ملك أقامه الله بلا رجال، كما رفع السماء بغير عمد:

ويقضي الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود

إلى تيه وخيلاء، وعنجهية وكبرياه، كأنه جاء برأس خاقان٢، أو أدال دولة بني مروان".

وهذا وصف صادق للرؤساء والوزراء الحقيقيين، والمصريون دمى تحرك من وراء ستار؛ ولقد أدى إخفاق الثورة العرابية إلى فقدان المصريين الثقة بأنفسهم، وخضعوا لأوامر المحتل الغاصب، الذي نازع حاكم البلاد وأميرها سلطانه في شخص ممثلة بمصر اللورد كرومر، وكثير من هؤلاء الذين تولوا إدارة البلاد على عهد الإنجليز يصدق عليهم هذا الوصف، يظهرون هذا الصلف والكبرياء لمواطنيهم، تعويضًا عن الذلة


١ الإمع والإمعة: الرجل الذي يتبع كل أحد على رأيه ولا يثبت على شيء.
٢ خاقان أحد رؤساء الترك خرج على الخلافة من ناحية باب الأبواب، وظهر على أرمينية وقتل الجراح بن عبد الله عامل هشام بن عبد الملك فبعث إليه هشام سعيد بن عمرو الحرشي، فأوقع سعيد بخاقان ففض جمعه وأخذ رأيه وبعث به إلى هشام فعظم أثره. وضرب به المثل.

<<  <  ج: ص:  >  >>