وكانت "أبو نضارة" أول جريدة هزلية سياسية صدرت بمصر، وقد نفاه إسماعيل فرحل إلى باريس، واستأنف إصدار جريدته بأسماء مختلفة, معارضًا الخديوي ومنتقدًا أعماله، ولم يخل عدد منها من صور تعرِّضُ تعريضًا شديدًا بالخديوي إسماعيل، فلقيت رواجًا، واستمرَّ الشيخ صنوع يصدر جريدته إلى ما بعد الاحتلال، وكان معاديًا للإنجليز, وتوفي سنة ١٩١٢.
وعلى العموم, فقد بلغ عدد الصحف التي ظهرت في عهد إسماعيل ما يقرب من عشرين صحيفة، ومعظمها ظهر في آواخر أيامه، وقد أطلق لها الحرية في الكتابة، وكان يميل إلى هذه الحرية في آخريات عهده حين اصطدم بالمطامع الأوربية، وكانت هذه الصحف تندد بسياسة الأوربيين وجشعهم، ونواياهم، وتشعر الناس بتدخلهم السياسيّ، وتحمل عليهم حملات شديدة اللهجة، فكان ذلك يروق إسماعيل، ولكن لم يكن يرضى أن يتعرض كاتبٌ ما لسياسته الخاصة أو لشخصه.
تعقيب:
هذا النهضة الصحفية خلصت اللغة من أسرها القديم، وأوضارها التي ورثتها من عصور الضعف، وخاضت في موضوعات شتَّى كما ذكرنا، وسلس الأسلوب، واحتذى الصحفيون أسلوب ابن خلدون في مقدمته، وذلك الأسلوب المرسل السهل، وإذا وازنَّا بين أسلوب النثر الصحفيّ في هذا العهد الذي نتحدث عنه، وأسلوب الكتابة في العصر السابق, وجدنا البَوْنَ شاسعًا، وقد مرَّت بك نماذج من هذه الكتابة الصحفية, يتجلى فيها أثر التحرر اللغويّ والفكريّ، وقوة البيان، وطرافة الموضوع، وإليك ما قال بعض قادة النهضة الصحفية في الحثِّ على العلم والاهتمام بالبيان، وطريقة الكتابة، راسمين للشادين في الصحافة الطريقة القويمة.