وكان أول من ابتدع الأقوال الجهمية المحضة النفاة الذين لا يثبتون الأسماء والصفات فكانوا يقولون أولاً إن الله تعالى لا يتكلم بل خلق كلاماً في غيره وجعل غيره يعبر عنه وإن قوله تعالى:" وإذا نادى ربك موسى " وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة إذا بقي ثلث الليل، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " معناه أن ملكاً يقول ذلك عنه، كما يقال: نادى السلطان، أي أمر منادياً نادى عنه، فإذا تلي عليهم ما أخبر الله تعالى به عن نفسه من أنه يقول ويتكلم. قالوا: هذا مجاز. كقول العربي امتلأ الحوض، وقال قطني، وقالت (١) اتساع بطنه ونحو ذلك.
فلما عرف السلف حقيقته وأنه مضاه لقول المتفلسفة المعطلة الذين يقولون أن الله تعالى لم يتكلم وإنما أضافت الرسل إليه الكلام بلسان الحال كفروهم وبينوا ضلالهم، ومما قالوا لهم أن المنادي عن غيره كمنادي السلطان يقول: أمر السلطان بكذا خرج مرسومه بكذا، لا يقول إني آمركم بكذا وأنهاكم عن كذا، والله تعالى يقول في تكليمه لموسى:" إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " ويقول تعالى إذا نزل الليل الغابر: " من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفر لي فاغفر له " وإذا كان القائل ملكاً قال - كما في الحديث الذي في الصحيحين:" إذا أحب الله العبد نادى في السماء يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل وينادي في السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض " فقال جبريل في ندائه عن الله تعالى: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، وفي نداء الرب يقول:" من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " كان قيل: فقد روي أنه يأمر منادياً