للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفة المخلوق اشتركتا في الحقيقة - فإن أريد بذلك أن حقيقتهما واحدة بالعين فهذا مخالف للحس والعقل والشرع، وإن أريد بذلك أن هذه مماثلة لهذه في الحقيقة وإنما اختلفتا في الصفات العرضية، كما قال ذلك طائفة من أهل الكلام - وقد بين فساد ذلك في الكلام على الأربعين للرازي وغير ذلك - فهذا أيضاً من أبطل الباطل، وذلك يستلزم أن تكون حقيقة ذات الباري عز وجل مماثلة الحقيقة ذوات المخلوقين.

وإن أريد بذلك أنهما اشتركا في مسمى العلم والقدرة والكلام فهذا صحيح، كما أنه إذا قيل إنه موجود أو أن له ذاتاً فقد اشتركا في مسمى الوجود والذات، لكن هذا المشترك أمر كلي لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان (١) فليس في الخارج شيء اشترك فيه مخلوقان كاشتراك الجزئيات في كلياتها بخلاف اشتراك الأجزاء في الكل فإنه يجب الفرق بين قسمة الكلي إلى جزئياته كقسمة الحيوان إلى ناطق وغير ناطق، وقسمة الإنسان إلى مسلم وكافر، وقسمة الاسم إلى معرب ومبني، وقسمة الكل إلى أجزائه كقسمة العقار بين الشركاء وقسمة الكلام إلى اسم وفعل وحرف، ففي الأول إنما اشتركت الأقسام في أمر كلي فضلاً عن أن يكون الخالق والمخلوقون مشتركين في شيء موجود في الخارج وليس في الخارج صفة لله يماثل بها صفة المخلوق، بل كل ما يوصف به الرب تعالى فهو مخالف بالحد والحقيقة لما يوصف به المخلوق أعظم مما يخالف المخلوق المخلوق، وإذا كان المخلوق مخالفاً بذاته وصفاته لبعض المخلوقات في الحد والحقيقة


(١) يظهر من هذا التفصيل أن شيخ الإسلام يرجح أن الاشتراك بين صفات الله وصفات المخلوق اشتراك في التسمية لا في الجنس الذي ينقسم إلى أنواع هي جزئياته. وهذا هو الذي اختاره شيخنا في درسه لرسالة التوحيد وذكرناه في حاشية لها وأشرنا إليه في حاشية سابقة على هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>