للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحيرة في ذلك. وأما هذا فإنه يقول: تجلى الأعيان المشهودة له، فقد قالا في جميع الخلق ما يشبه قول ملكية (١) النصارى في المسيح، حيث قالوا: بأن اللاهوت والناسوت صاراً جوهراً واحداً له اقنومان. وأما التلمساني فإنه لا يثبت بعد ذلك بحال فهو مثل يعاقبة النصارى، وهم أكفرهم، والنصارى قالوا بذلك في شخص واحد، وقالوا أن اللاهوت به يتدرع الناسوت بعد أن لم يكن متدرعاً به. وهؤلاء قالوا أنه في جميع العالم، وأنه لم يزل، فقالوا بعموم ذلك ولزومه، والنصارى قالوا بخصومه وحدوثه، حتى قال قائلهم: النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا، وهذا المعنى قد ذكره ابن عربي في غير موضع من الفصوص، وذكر أن إنكار الأنبياء على عباد الأصنام إنما كان لأجل التخصيص، وإلا فالعارف المكمل من عبده في كل مظهر وهو العابد والمعبود، وإن عباد الأصنام لو تركوا عبادتهم لتركوا من الحق بقدر ما تركوا منها، وأن موسى إنما أنكر على هارون لكون هارون نهاهم عن عبادة العجل لضيق هارون وعلم موسى بأنهم ما عبدوا إلا الله، وأن هارون إنما لم يسلط على العجل ليعبدوا الله في كل صورة، وأن أعظم مظهر فيه هو الهوى فما عبد أعظم من الهوى. لكن ابن عربي يثبت أعياناً ثابتة في العدم.

وهذا ابن حمويه إنما أثبتها مشهودة في العلم فقط، وهذا القول هو الصحيح لكن لا يتم له معه ما صلبه من الاتحاد، ولهذا كان هو أبعدهم عن تحقيق الاتحاد والقرب إلى الإسلام، وإن كان أكثرهم تناقضاً وهذياناً، فكثرة الهذيان خير من كثرة الكفر. ومقتضى كلامه هذا أنه جعل وجوده مشروطاً بوجود العالم، وإن كان له وجود ما غير العالم، كما أن نور العين مشروط بوجود الأجفان وإن كان قائماً بالحدقة، فعلى هذا يكون الله مفتقراً إلى العالم محتاجاً إليه كاحتياج نور العين إلى الجفنين. وقد قال الله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير


(١) طائفة من النصارى كاليعاقبة والنسطورية وغيرها

<<  <  ج: ص:  >  >>