ونحن أغنياء) إلى آخر الآية. فإذا كان هذا قوله فيمن وصفه بأنه فقير إلى أموالهم ليعطيها الفقراء، فكيف قوله فيمن جعل ذاته مفتقرة إلى مخلوقاته، بحيث لولا مخلوقاته لانتشرت ذاته وتفرقت وعدمت، كما ينتشر نور العين ويتفرق ويعدم إذا عدم الجفن؟ وقد قال في كتابه (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا) الآية. فمن يمسك السموات؟ وقال في كتابه (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) الآية. وقال (رفع السموات بغير عمد ترونها) وقال (وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) لا يؤده لا يثقله ولا يكرثه، وقد جاء في الحديث حديث أبي داود " ما السموات والأرض وما بينهما في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي في العرش كتلك الحلقة في الفلاة " وقد قال في كتابه " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة) الآية. وقد ثبت في الصحاح من حديث أبي هريرة وابن عمر وابن مسعود " إن الله يمسك السموات والأرض بيده " فمن يكون في قبضته السموات والأرض، وكرسيه قد وسع السموات والأرض، ولا يؤده حفظهما، وبأمره تقوم السماء والأرض، وهو الذي يمسكها أن تزولا، أيكون محتاجاً إليهما مفتقراً إليهما، إذا زالا تفرق وانتشر؟ وإذا كان المسلمون يكفرون من يقول: إن السموات تقله أو تظله لما في ذلك من احتياجات إلى مخلوقاته، فمن قال: إنه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنه كافر؟ لأن الله غني عن العالمين، حي قيوم، هو الغني المطلق وما سواه فقير إليه، مع أن أصل الاستواء على العرش ثابت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمة السنة، بل هو ثابت في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، فكيف بمن يقول أنه مفتقر إلى السموات والأرض، وأنه إذا ارتفعت السموات والأرض تفرق وانتشر وعدم؟ فإن حاجته في الحمل إلى العرش أبعد من حاجة ذاته إلى ما هو دون العرش.