من وساوس الشيطان - يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن الله بلا واسطة، وأنهم يكلمون كما كلم موسى بن عمران، وفيهم من يزعمون أن حالهم من حال موسى ابن عمران، لأن موسى سمع الخطاب من الشجرة وهم على زعمهم يسمعون الخطاب من حي ناطق كما يذكر عن صاحب الفصوص أنه قال:
وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه
وأعانهم على ذلك ما اعتقدوه من مذاهب الجهمية وأتباعهم الذين يزعمون أن تكليم الله لموسى إنما كان من جنس الإلهام، وأن العبد قد يرى الله في الدنيا إذا زال عن عينه المانع إذ لا حجاب عندهم للرؤية منفصل عن العبد، وإنما الحجاب متصل به، فإذا ارتفع شاهد الحق، وهم لا يشاهدون إلا ما يتمثلونه من الوجود المطلق الذي لا حقيقة له إلا في أذهانهم أو لا وجود له إلى وجود المخلوقات. هذا هو التعطيل للرب تعالى ولكتبه ولرسله، والبدع دهليز الكفر والنفاق، كما أن التشيع دهليز الرفض، والرفض دهليز القرمطة والتعطيل، فالكلام الذي فيه تجهم دهليز الزندقة والتعطيل. وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت " ولهذا اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله يرى في الآخرة، وأنه لا يراه أحد في الدنيا بعينه.
وفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه كلام معروف لعائشة وابن عباس، فعائشة أنكرت الرؤية، وابن عباس ثبت عنه صحيح مسلم أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين. وكذلك ذكر أحمد عن أبي ذر وغيره أنه أثبت رؤيته بفؤاده. وهذا المنصوص عن ابن عباس وأبي ذر وغيرهما هو المنصوص عن أحمد وغيره من أئمة السنة، ولم يثبت عن أحد منهم إثبات الرؤية بالعين في الدنيا، كما لم يثبت عن أحد منهم إنكار الرؤية في الآخرة، ولكن كلا القولين تقول به طوائف من الجهمية، فالنفي يقول به متكلمة الجهمية،