للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإثبات يقول به بعض متصوفة الجهمية كالاتحادية وطائفة من غيرهم، وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي والإثبات، كما يقول ابن سبعين: عين ما ترى ذات لا ترى، وذات لا ترى عين ما ترى. ونحو ذلك، لأن مذهبهم مستلزم الجمع بين النقيضين، فهم يقولون في عموم الكائنات ما قالته النصارى في المسيح، ولهذا تنوعوا في ذلك تنوع النصارى في المسيح.

ومن الأنواع التي في دعواهم أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من بعض الوجوه، إن هذا لم يقله أبو عبد الله الحكيم الترمذي ولا غيره من المشايخ المعروفين، بل الرجل أجل قدراً وأعظم إيماناً من أن يفتري هذا الكفر الصريح، ولكن أخطأ شبراً، ففرعوا على خطئه ما صار كفراً.

وأعظم من ذلك زعمه أن الأولياء والرسل من حيث ولا يتهم تابعون لخاتم الأولياء وأخذوا من مشكاته، فهذا باطل بالعقل والدين، فإن المتقدم لا يأخذ من المتأخر، والرسل لا يأخذون من غيرهم. وأعظم من ذلك أنه جعلهم تابعين له في العلم بالله الذي هو أشرف علومهم، وأظهر من ذلك أن جعل العلم بالله هو مذهب أهل وحدة الوجود القائلين بأن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق.

فليتدبر المؤمن هذا الكفر القبيح درجة بعد درجة. واستشهاده على تفضيل غير النبي عليه بقصة عمر وتابير النخل، فهل يقول مسلم أن عمر كان أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم برأيه في الأسرى؟ وأن الفلاحين الذين يحسنون صناعة التأبير أفضل من الأنبياء في ذلك؟ ثم ما قنع بذلك حتى قال: فما يلزم الكامل أن يكون له التقديم في كل علم وكل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في مرتبة العلم بالله، هنالك مطالبهم.

فقد زعم أنه أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن تقدمه عليه بالعلم بالله، وتقدم خاتم الأنبياء عليه بالتشريع فقط. وهذا من أعظم الكفر الذي يقع فيه غالية المتفلسفة

<<  <  ج: ص:  >  >>