للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغالية المتصوفة وغالية المتكلمة الذين يزعمون أنهم في الأمور العلمية أكمل من الرسل، كالعلم بالله ونحو ذلك، وأن الرسل إنما تقدموا عليهم بالتشريع العام الذي جعل لصلاح الناس في دنياهم. وقد يقولون أن الشرائع قوانين عدلية وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العالية في الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء.

وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن هذا من أعظم الكفر والضلال، وكان من سبب جحد حقائق ما أخبرت به الرسل من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر وزعمهم أن ما يقوله هؤلاء في هذا الباب هو الحق وصاروا في أخبار الرسل، تارة يكذبونها، وتارة يحرفونها، وتارة يفوضونها، وتارة يزعمون أن الرسل كذبوا لمصلحة العموم.

ثم عامة الذين يقولون هذه المقالات يفضلون الأنبياء والرسل على أنفسهم إلا الغالية منهم كما تقدم، فهؤلاء من شر الناس قولاً واعتقاداً.

وقد كان عندهم شيخ من أجهل الناس كان يعظمه طائفة من الأعاجم ويقال أنه خاتم الأولياء، يزعم أنه يفسر العلم بوجهين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فسره بوجه واحد وأنه هو أكمل من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا تلقاه من صاحب الفصوص وأمثال هذا في هذه الأوقات كثير، وسبب ضلال المتفلسفة وأهل التصوف والكلام الموافقة لضلالهم، وليس هذا موضع الأطناب في بيان ضلال هذا وإنما الغرض التنبيه على أن صاحب الفصوص وأمثاله قالوا قول هؤلاء.

فأما كفر من يفضل نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر صاحب الفصوص فظاهر ولكن من هؤلاء من لا يرى ذلك ولكن يرى أن له طريقاً إلى الله غير اتباع الرسول، ويسوغ لنفسه اتباع تلك الطريق وإن خالف شرع الرسول، ويحتجون بقصة موسى والخضر.

ولا حجة فيها لوجهين (أحدهما) أن موسى لم يكن مبعوثاً إلى الخضر ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>