كان يجب على الخضر اتباع موسى فإن موسى كان مبعوثاً إلى بني إسرائيل ولهذا جاء في الحديث الصحيح " أن موسى لما سلم على الخضر قال وأنى بأرضك السلام؟ قال أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال نعم، قال إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه " ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم " فضلنا على الناس بخمس: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأي رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة (١) " وقد قال تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) وقال تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الآية.
فمحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى جميع الثقلين: انسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، ملوكهم وزهادهم، الأولياء منهم وغير الأولياء. فليس لأحد الخروج عن مبايعته باطناً وظاهراً، ولا عن متابعة ما جاء به من الكتاب والسنة في دقيق ولا جليل، لا في العلوم ولا الأعمال، وليس لأحد أن يقول له كما قال الخضر لموسى، وأما موسى فلم يكن مبعوثاً إلى الخضر.
الثاني أن قصة الخضر ليس فيها مخالفة للشريعة بل الأمور التي فعلها تباح في الشريعة، إذا علم العبد أسبابها كما علمها الخضر، ولهذا لما بين أسبابها لموسى وافقه على ذلك، ولو كان مخالفاً لشريعته لم يوافقه بحال.
وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع. فإن خرق السفينة مضمونه أن المال المعصوم يجوز للإنسان أن يحفظه لصاحبه بإتلاف بعضه فإن ذلك خير من ذهابه بالكلية كما جاز للراعي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح الشاة التي خاف عليها الموت. وقصة الغلام مضمونها جواز قتل الصبي الصائل، ولهذا قال ابن عباس: وأما الغلمان فإن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا تقتلهم. وأما إقامة الجدار
(١) لم يذكر الخامسة، وفي بعض الاحاديث هي " ونصرت بالرعب مسيرة شهر"