لا يتصور أن يوجد إلا في المخلوق، فمن لم يعبده في شيء من المخلوقات أصلاً فما عبده في الحقيقة، وإذا أطلقوا أنه عبده فهو لفظ لا معنى له، أي إذا فسروه فيكون بالتخصيص بمعنى أنه خصص بعض المظاهر بالعبادة، وهذا عندهم نقص لا من جهة ما أشركه وعبده، وإنما من جهة ما تركه، فليس عندهم في الشرك ظلم ولا نقص إلا من جهة قلته، وإلا فإذا كان الشرك عاماً كان أكمل وأفضل.
وكذلك أيضاً قول الخليل لقومه (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله) تبرأ عندهم من الحق الذي ظهر فيهم وفي آلهتهم، وكذلك كفره به ومعاداته لهم كفر بالحق عندهم ومعاداة له.
ثم قوله (حتى تؤمنوا بالله وحده) كلام لا معنى له عندهم، فإنهم كانوا مؤمنين بالله وحده، إذ لا يتصور عندهم غيره، وإنما غايتهم أنهم عبدوه في بعض المظاهر وتركوا بعضها من غير كفر به فيها، وكذلك سائر ما قصه عن إبراهيم من معاداته لما عبده أولئك هو عندهم معاداة لله لأنه ما عبد غير الله كما زعم الملحدون محتجين بقوله (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) قالوا: وما قضى الله شيئاً إلا وقع. وهذا هو الإلحاد في آيات الله، وتحريف الكلم عن مواضعه، والكذب على الله، فإن " قضى " هنا ليست بمعنى القدر والتكوين بإجماع المسلمين بل وبإجماع العقلاء حتى يقال ما قدر الله شيئاً إلا وقع، وإنما هي بمعنى أمر، وما أمر الله به فقد يكون وقد لا يكون. فتدبر هذا التحريف، وكذلك قوله ما حكم الله بشيء إلا وقع كلام مجمل فإن الحكم يكون بمعنى الأمر الديني وهو الأحكام الشرعية كقوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام) الآية، وقوله (ومن أحسن من الله حكماً) وقوله (ذلكم حكم الله يحكم بينكم) ويكون الحكم حكماً بالحق والتكوين والعقل كقوله (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي) وقوله (قل رب احكم بالحق) .