ولهذا كان بعض السلف يقرؤون (ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) وذكروا أنها كذلك في بعض المصاحف، ولهذا قال في سياق الكلام (وبالوالدين إحسانا) الآية وساق أمره ووصاياه إلى أن قال (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلهاً فتلقى في جهنم ملوماً مدحورا) فختم الكلام بمثل ما فتحه به من أمره بالتوحيد ونهيه عن الشرك ليس هو إخباراً أنه ما عبد أحد إلا الله وإن الله قدر ذلك وكونه، وكيف وقد قال (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر) ؟ وعندهم ليس في الوجود شيء يجعل إلهاً آخر فأي شيء عبد فهو نفس الإله ليس آخر غيره.
ومثل معاداة إبراهيم والمؤمنين لله على زعمهم حيث عادى العابدين والمعبودين وما عبد غير الله، وما عبد الله غير الله، فهو عين كل عابد وعين كل معبود وقوله تعالى (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) وعلى زعمهم ما لله عدو أصلاً، وأنه ما ثم غير ولا سوى بحيث يتصور أن يكون عدو نفسه أو عدو الذوات التي لا يظهر إلا بها.
السادس أن عندهم أن دعوة العباد إلى الله مكر بهم كما صرح به حيث قال: إن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو فإنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية.
وقال أيضاً صاحب الفصوص (وبشر المخبتين) الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا إلهاً ولم يقولوا طبيعة (وقد أضلوا كثيرا) أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب (ولا تزد الظالمين) لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب فهم أول الثلاثة فقدمه على المقتصد والسابق (إلا ضلالاً) أي إلا حيرة. وفي المحمدي زدني فيك تحيراً (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا) له فالمحير له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا تبرح منه، وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه، صاحب خيال إليه غايته، فله " من " و " إلى " وما بينهما، وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه " من " ولا غاية فتحكم عليه " إلى " فله الوجود إلا ثم وهو المؤتى جوامع الكلم ".