ما بال عينك لا يقر قرارها ... وإلام خطوك لا يني متنقلاً
فلسوف تعلم أن سيرك لم يكن ... إلا إليك إذا بلغت المنزلا
فعندهم الإنسان هو غاية نفسه، وهو معبود نفسه وليس وراءه شيء يعبده أو يقصده، أو يدعوه أو يستجيب له، ولهذا كان قولهم حقيقة قول فرعون.
وكنت أقول لمن أخاطبه أن قولهم هو حقيقة قول فرعون حتى حدثني بعض من خاطبته في ذلك من الثقات العارفين: أن بعض كبرائهم لما دعا هذا المحدث إلى مذهبهم وكشف له حقيقة سرهم قال: فقلت له هذا قول فرعون، قال: نعم، ونحن على قول فرعون، قلت له والحمد لله الذي اعترفوا بهذا، فإنه مع إقرار الخصم لا يحتاج إلى بينه.
وقد جعل صاحب الطريق المستطيل صاحب خيال، ومدح الحركة المستديرة الحائرة، والقرآن يأمر بالصراط المستقيم ويمدحه ويثني على أهله لا على المستدير. ففي أم الكتاب (اهدنا الصراط المستقيم) وقال (وإن هذا صراطي مستقميماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) وقال (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً) الآيتين (١) وقال تعالى في موسى وهارون (وآتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم) وقال تعالى (وهذا صراط ربك مستقيماً، قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) وقال عن إبليس (فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم) الآية وقال تعالى (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين) وهؤلاء الملحدون من أكابر متبعيه، وأنه قعدهم على صراط الله المستقيم فصدهم عنه حتى كفروا بربهم، وآمنوا أن نفوسهم هي معبودهم وإلههم. وقال تعالى في حق خاتم الرسل (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله) الآية.
وأيضاً فإن الله يقول (وردوا إلى الله مولاهم الحق) وقال تعالى (إن إلينا إيابهم
(١) أي أقرأ الآيتين بعد هذه إذ آخرهما (ولهديناهم صراط مستقيما)