للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقه وهو يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ولا فرق بين خلق المضار والمنافع، والخير والشر بالنسبة إليه. ويقول هؤلاء: إنه لا يتصور أن يفعل ظلماً ولا سفهاً أصلاً، بل لو فرض أنه فعل أي شيء كان فعله حكمة وعدلاً وحسناً، إذ لا قبيح إلا ما نهى عنه وهو لم ينهه أحد، ويسوون بين تنعيم الخلائق وتعذيبهم، وعقوبة المحسن، ورفع درجات الكفار والمنافقين.

والفريقان متفقان على أنه لا ينتفع بطاعات العباد ولا يتضرر بمعصيتهم، لكن الأولون يقولو: الإحسان إلى الغير حسن لذاته وإن لم يعد إلى المحسن منه فائدة.

والآخرون يقولون: ما حسن منا حسن منه، وما قبح منا قبح منه، والآخرون مع جمهور الخلائق ينكرون، والأولون يقولون: إذا أمر بالشيء فقد أراده منا. لا يعقل الحسن والقبيح إلا ما ينفع أو يضر، كنحو ما يأمر الواحد منا غيره بشيء فإنه لا بد أن يريده منه ويعينه عليه، وقد أقدر الكفار بغاية القدرة، ولم يبق يقدر على أن يجعلهم يؤمنون اختياراً، وإنما كفرهم وفسوقهم وعصيانهم بدون مشيئته واختياره. وآخرون يقولون: الأمر ليس بمستلزم الإرادة أصلاً، وقد بينت التوسط بين هذين في غير هذا الموضع، وكذلك أمره. والأولون يقولون لا يأمر إلا بما فيه مصلحة العباد، والآخرون يقولون أمره لا يتوقف على المصلحة.

وهنا مقدمات، تكشف هذه المشكلات.

إحداها أنه ليس ما حسن منه حسن منا وليس ما قبح منه يقبح منا، فإن المعتزلة شبهت الله بخلقه، وذلك أن الفعل يحسن منا لجلبه المنفعة، ويقبح لجلبه المضرة، ويحسن لأنا أمرنا به، ويقبح لأنا نهينا عنه، وهذان الوجهان منتفيان في حق الله تعالى قطعاً، ولو كان الفعل يحسن باعتبار آخر كما قال بعض الشيوخ:؟ ويقبح من سواك الفعل عندي وتفعله فيحسن منك ذاكا

المقدمة الثانية أن الحسن والقبح قد يكونان صفة لأفعالنا وقد يدرك

<<  <  ج: ص:  >  >>