بعض ذلك بالعقل وإن فسر ذلك بالنافع والضار والمكمل والمنقص، فإن أحكام الشارع فيما يأمر به وينهي عنه تارة تكون كاشفة للصفات الفعلية ومؤكدة لها وتارة تكون مبينة للفعل صفات لم تكن له قبل ذلك، وإن الفعل تارة يكون حسنه من جهة نفسه وتارة من جهة الأمر به وتارة من الجهتين جميعاً. ومن أنكر أن يكون للفعل صفات ذاتية لم يحسن إلا لتعلق الأمر به وإن الأحكام بمجرد نسبة الخطاب إلى الفعل فقط، فقد أنكر ما جاءت به الشرائع من المصالح والمفاسد والمعروف والمنكر وما في الشريعة من المناسبات بين الأحكام وعللها، وأنكر خاصة الفقه في الدين الذي هو معرفة حكمة الشريعة مقاصدها ومحاسنها.
المقدمة الثالثة إن الله خلق كل شيء وهو على كل شيء قدير ومن جعل شيئاً من الأعمال خارجاً عن قدرته ومشيئته فقد ألحد في أسمائه وآياته بخلاف ما عليه القدرية.
المقدمة الرابعة إن الله إذا أمر العبد بشيء فقد أراده منه إرادة شرعية دينية وإن لم يرده منه إرادة قدرية كونية فإثبات إرادته في الأمر مطلقاً خطأ ونفيها عن الأمر مطلقاً خطأ وإنما الصواب التفصيل كما جاء في التنزيل (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، يريد الله ليخفف عنكم، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) وقال (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً) وقال (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) وقال (ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) وأمثال ذلك كثير.
المقدمة الخامسة إن محبته ورضاه مستلزم للإرادة الدينية والأمر الديني وكذلك بغضه وغضبه وسخطه مستلزم لعدم الإرادة الدينية فالمحبة والرضا والغضب والسخط ليس هو مجرد الإرادة. هذا قول جمهور أهل السنة. ومن قال أن هذه الأمور بمعنى الإرادة كما يقوله كثير من القدرية وكثير من أهل الإثبات