للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه يستلزم أحد أمرين: إما الكفر والفسوق والمعاصي مما يكرهها ديناً فقد كره كونها وأنها واقعة بدون مشيئته وإرادته. وهذا قول القدرية، أو يقول أنه لما كان مريداً لها شاءها فهو محب راض بها كما تقوله طائفة من أهل الإثبات، وكلا القولين فيه ما فيه، فإن الله تعالى يحب المتقين ويحب المقسطين وقد رضي عن المؤمنين، ويحب ما أمر به أمر إيجاب واستحباب، وليس هذا المعنى ثابتاً في الكفار والفجار والظالمين، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب كل مختال فخور، ومع هذا فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وأحسن ما يعتذر به من قال هذا القول من أهل الإثبات: أن المحبة بمعنى الإرادة أنه أحبها كما أرادها كوناً، فكذلك أحبها ورضيها كوناً، وهذا فيه نظر مذكور في غير هذا الموضع.

فإن قيل: تقسيم الإرادة لا يعرف في حينا بل أن الأمر منه بالشيء إما أن يريده أو لا يريده، وأما الفرق بين الإرادة والمحبة فقد يعرف في حقنا (فيقال) وهذا هو الواجب فإن الله تعالى ليس كمثله شيء، وليس أمره لنا كأمر الواحد منا لعبده وخدمه، وذلك أن الواحد منا إذا أمر عبده فإما أن يأمره لحاجته إليه أو إلى المأمور به، أو لحاجته إلى الأمر فقط، فالأول كأمر السلطان جنده بما فيه حفظ ملكه ومنافعهم له، فإن هداية الخلق وإرشادهم بالأمر والنهي هي من باب الإحسان إليهم، والمحسن من العباد يحتاج إلى إحسانه قال الله تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) .والله تعالى لم يأمر عباده لحاجته إلى خدمتهم ولا هو محتاج إلى أمرهم وإنما أمرهم إحساناً منه ونعمة أنعم بها عليهم، فأمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم. وإرسال الرسل، وإنزال الكتب من أعظم نعمه على خلقه كما قال (وما

<<  <  ج: ص:  >  >>