للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرسلناك إلى رحمة للعالمين) وقال تعالى (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم) وقال (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) فمن أنعم الله عليه مع الأمر بالامتثال فقد تمت النعمة في حقه كما قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) وهؤلاء هم المؤمنون. ومن لم ينعم عليه بالامتثال بل خذله حتى كفر وعصى فقد شقي لما بدل نعمة الله كفراً كما قال (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار) والأمر والنهي الشرعيان لما كانا نعمة ورحمة عامة لم يضر ذلك عدم انتفاع بعض الناس بهما من الكفار، كإنزال المطر وإنبات الرزق هو نعمة عامة وإن تضرر بها بعض الناس لحكمة أخرى، كذلك مشيئته لما شاءه من المخلوقات وأعيانها وأفعالها لا يوجب أن يحب كل شيء منها فإذا أمر العبد بأمر فذاك إرشاد ودلالة، فإن فعل المأمور به صار محبوباً لله وإلا لم يكن محبوباً له وإن كان مراداً له، وإرادته له تكويناً لمعنى آخر. فالتكوين غير التشريع. (فإن قيل) المحبة والرضا يقتضيان ملاءمة ومناسبة بين المحب والمحبوب ويوجب للمحب بدرك محبوبه فرحاً ولذة وسروراً، وكذلك البغض لا يكون إلا عن منافرة بين المبغض والمبعض، وذلك يقتضي للمبغض بدرك المبغض أذى وبغضاً ونحو ذلك، والملاءمة والمنافرة تقتضي الحاجة، إذ ما لا يحتاج الحي إليه لا يحبه، وما لا يضره كيف يبغضه؟ والله غني لا تجوز عليه الحاجة، إذ لو جازت عليه الحاجة للزم حدوثه وإمكانه وهو غني عن العالمين، وقد قال تعالى - أي في الحديث القدسي - " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " فلهذا فسرت المحبة والرضا بالإرادة إذ يفعل النفع والضر. فيقال الجواب من وجهين: (أحدهما) الإلزام وهو أن نقول: الإرادة لا تكون إلا للمناسبة بين المريد

<<  <  ج: ص:  >  >>