والمراد وملاءمته في ذلك تقتضي الحاجة، وإلا فما لا يحتاج إليه الحي لا ينتفع به ولا يريده، ولذلك إذا أراد به العقوبة والإضرار لا يكون إلا لنفرة وبغض، وإلا فما لم يتألم به الحي أصلاً لا يكرهه ولا يدفعه، وكذلك نفس نفع الغير وضرره هو في الحي متنافر من الحاجة، فإن الواحد منا إنما يحن إلى غيره لجلب منفعة أو لدفع مضرة، وإنما يضر غيره لجلب منفعة أو دفع مضرة، فإذا كان الذي يثبت صفة وينفي أخرى يلزمه فيما أثبته نظير ما يلزمه فيما نفاه لم يكن إثبات إحداهما ونفي الآخر أولى من العكس، ولو عكس عاكس فنفى ما أثبته من الإرادة وأثبت ما نفاه من المحبة لما ذكره لم يكن بينهما فرق، وحينئذ فالواجب إما نفي الجميع ولا سبيل إليه للعلم الضروري بوجود نفع الخلق والإحسان إليهم وإن ذلك يستلزم الإرادة، وإما إثبات الجميع كما جاءت به النصوص، وحينئذ فمن توهم (١) أنه يلزم من ذلك محذور أو أحد الأمرين لازم: إما أن ذلك المحذور لا يلزم أو أنه إن لزم فليس بمحذور.
الجواب الثاني: أن الذي يعلم قطعاً هو أن الله قديم واجب الوجود كامل، وأنه لا يجوز عليه الحدوث ولا الإمكان ولا النقص، لكن كون هذه الأمور التي جاءت بها النصوص مستلزمة للحدوث والإمكان أو النقص هو موضع النظر، فإن الله غني واجب بنفسه، وقد عرف أن قيام الصفات به لا يلزم حدوثه ولا إمكانه ولا حاجته. وإن قول القائل بلزوم افتقاره إلى صفاته اللازمة بمنزلة قوله مفتقر إلى ذاته، ومعلوم أنه غني بنفسه، وأنه واجب الوجود بنفسه، وأنه موجود بنفسه، فتوهم حاجة نفسه إلى نفسه، إن عني به أن ذاته لا تقوم إلا بذاته فهذا حق، فإن الله غني عن العالمين وعن خلقه، وهو غني بنفسه.
(١) ينظر أين خبر هذا المبتدأ؟ وأما المراد فظاهر وهو أن يقال لمن يتوهم ما ذكر أن اللازم هو أحد الأرين الذين ذكرهما وملخصهما أنه لا يلزم من ذلك شيء أو يلزم شيء ليس بمحدود