للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إطلاق القول بأنه غني عن نفسه فهو باطل فإنه محتاج إلى نفسه، وفي إطلاق كل منهما إيهام معنى فاسد، ولا خالق إلا الله تعالى، فإذا كان سبحانه عليماً يحب العلم، عفواً يحب العفو، جميلاً يحب الجمال، نظيفاً يحب النظافة، طيباً يحب الطيب، وهو يحب المحسنين والمتقين والمقسطين، وهو سبحانه الجامع لجميع الصفات المحبوبة، والأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو يحب نفسه ويثني بنفسه على نفسه، والخلق لا يحصون ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه. فالعبد المؤمن يحب نفسه، ويحب في الله من أحب الله وأحبه الله، فالله سبحانه أولى بأن يحب نفسه، ويحب في نفسه عباده المؤمنين، ويبغض الكافرين، ويرضى عن هؤلاء ويفرح بهم، ويفرح بتوبة عبده التائب من أولئك، ويمقت الكفار ويبغضهم، ويحب حمد نفسه والثناء عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأسود بن سريع لما قال: إنني حمدت ربي بمحامد فقال " إن ربك يحب الحمد " وقال صلى الله عليه وسلم " لا أحد أحب إليه المدح من الله، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل، ولا أحد أصبر على أذى من الله، يجعلوه له ولداً وشريكاً وهو يعافيهم ويرزقهم " فهو يفرح بما يحبه، ويؤذيه ما يبغضه، ويصبر على ما يؤذيه، وحبه ورضاه وفرحه وسخطه وصبره على ما يؤذيه كل ذلك من كماله وكل ذلك من صفاته وأفعاله، وهو الذي خلق الخلائق وأفعالهم، وهم لن يبلغوا ضره فيضروه، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه.

وإذا فرح ورضي بما فعله بعضهم فهو سبحانه الذي خلق فعله، كما أنه إذا فرح ورضي بما يخلقه فهو الخالق، وكل الذين يؤذون الله ورسوله هو الذي مكنهم وصبر على أذاهم بحكمته، فلم يفتقر إلى غيره ولم يخرج شيء عن مشيئته ولم يفعل أحد ما لا يريد، وهذا قول عامة القدرية (١) ونهاية الكمال والعزة.


(١) كذا في الأصل فليحرر مراده من ذكر القدرية هنا

<<  <  ج: ص:  >  >>