للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول لهم أهل الإثبات: هذا باطل من وجوه.

أحدها أن يقال الموجودات نوعان: نوع يقبل الاتصاف بالكمال كالحي ونوع لا يقبله كالجماد. ومعلوم أن القابل للاتصاف بصفات الكمال أكمل مما لا يقبل ذلك، وحينئذ فالرب إن لم يقبل الاتصاف بصفات الكمال لزم انتفاء اتصافه بها، وأن يكون القابل لها وهو الحيوان الأعمى الأصم الذي لا يقبل السمع والبصر أكمل منه، فإن القابل للسمع والبصر في حال عدم ذلك أكمل ممن لا يقبل ذلك فكيف المتصف بها؟ فلزم من ذلك أن يكون مسلوباً لصفات الكمال على قولهم ممتنعاً عليه صفات الكمال، فأنتم فررتم من تشبيهه بالإحياء فشبهتموه بالجمادات وزعمتم أنكم تنزهونه عن النقائص فوصفتموه بما هو أعظم النقص.

الوجه الثاني أن يقال: هذا التفريق بين السلب والإيجاب وبين العدم والملكة أمر اصطلاحي، وإلا فكل ما ليس بحي فإنه يسمى ميتاً كما قال تعالى (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) . (الوجه الثالث) أن يقال: نفي سلب هذه الصفات نقص وإن لم يقدر هناك ضد ثبوتي فنحن نعلم بالضرورة أن ما يكون حياً عليماً قديراً متكلماً سميعاً بصيراً أكمل ممن لا يكون كذلك، وإن ذلك لا يقال سميع ولا أصم كالجماد، وإذا كان مجرد إثبات هذه الصفات من الكمال ومجرد سلبها من النقص وجب ثبوتها لله تعالى لأنه كما ممكن للوجود ولا نقص فيه بحال بل النقص في عدمه، وكذلك إذا قدرنا موصوفين بهذه الصفات أحدهما يقدر على التصرف بنفسه فيأتي ويجيء وينزل ويصعد ونحو ذلك من أنواع الأفعال القائمة به والآخر يمتنع ذلك منه فلا يمكن أن يصدر منه شيء من هذه الأفعال كان هذا القادر على الأفعال التي تصدر عنه أكمل ممن يمتنع صدورها عنه. وإذا قيل قيام هذه الأفعال يستلزم قيام الحوادث به كان كما إذا قيل قيام الصفات به يستلزم قيام الأعراض به، والأعراض والحوادث لفظان مجملان، فإن أريد بذلك ما يعقله أهل اللغة من أن الأعراض والحوادث هي الأمراض

<<  <  ج: ص:  >  >>