وقد بينا في غير هذا الموضع أن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله ورسوله ليس هو النفس الفلكية، وابن سينا ومن تبعه أخذوا أسماء جاء بها الشرع فوضعوا لها مسميات مخالفة لمسميات صاحب الشرع ثم صاروا يتكلمون بتلك الأسماء فيظن الجاهل أنهم يقصدون بها ما قصده صاحب الشرع فأخذوا مخ الفلسفة وكسوه لحاء الشريعة وهذا كلفظ الملك والمكلوت والجبروت واللوح المحفوظ والملك والشيطان والحدوث والقدم وغير ذلك وقد ذكرنا من ذلك طرفاً في الرد على الاتحادية لما ذكرنا قول ابن سبعين وابن عربي وما يوجد في كلام أبي حامد ونحوه من أصول هؤلاء الفلاسفة الملاحدة الذين يحرفون كلام الله ورسوله عن مواضعه كما فعلت طائفة القرامطة الباطنية.
والمقصود هنا أنه لو كانت العلوم تنزل على القلوب من النفس الفلكية كما يزعم هؤلاء فلا فرق في ذلك بين الناظر والمستدل والمفرغ قلبه، فتمثيل ذلك بنقش أهل الصين والروم تمثيل باطل (١) .
ومن أهل هذه الخلوات من لهم أذكار معينة وقوت معين ولهم تنزلات معروفة. وقد بسط الكلام علياه ابن عربي الطائي ومن سلك سبيله كالتلمساني وهي تنزلات شيطانية قد عرفتها وخبرت ذلك من وجوه متعددة، لكن ليس هذا موضع بسطها، وإنما المقصود التنبيه على هذا الجنس.
ومما يأمرون به الجوع والسهر والصمت مع الخلوة بلا حدود شرعية، بل سهر مطلق، وجوع مطلق، وصمت مطلق، مع الخلوة، كما ذكر ذلك ابن عربي وغيره وهي تولد لهم أحوالاً شيطانية. وأبو طالب قد ذكر بعض ذلك، لكن أبو طالب أكثر اعتصاماً
(١) ليس في هذا الموضوع شيء من التحقيق الذي نعهده في كلام شيخ الإسلام والمظلوم فيه أبو حامد فإنه ليس ممن قرنه بهم من الفلاسفة والاتحادية الصوفية، ولم يقل بنزول العلوم من النفس الفلكية، وقد فرق بين الناظر والمستدل وبين المفرغ قلبه بذكر الله من الخواطر الشيطانية بأوضح بيان ومنها هذا التمثيل وكأن الشيخ لم يراجع كلامه حين كتب هذا ولم يكن مما عنى بحفظه كما يحفظ كتب الحديث وألفاظها، ولا بمعانيه كما عني بمذاهب الفقه وغيرها،لأنه لم يكن يراه يستحق هذه العناية. وسبحان من أحاط بكل شيء علما، وقال في وصف كتابه (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً)