للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكتاب والسنة من هؤلاء. ولكن يذكر أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة، من جنس أحاديث المسبعات التي رواها عن الخضر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذب مح وإن كان ليس فيه إلا قراءة قرآن ويذكر أحياناً عبادات بدعية من جنس ما بالغ في معراج الجوع هو وأبو حامد وغيرهما وذكروا أنه يزن الخبز بخشب رطب، كلما جف نقص الأكل (١) .

وذكروا صلوات الأيام والليالي، وكلها كذب موضوعة، ولهذا قد يذكرون مع ذلك شيئاً من الخيالات الفاسدة وليس هذا موضع بسط ذلك.

وإنما الغرض التنبيه بهذا على جنس من العبادات البدعية. وهي الخلوات البدعية سواء قدرت بزمان أو لم تقدر لما فيها من العبادات البدعية. إما التي جنسها مشروع ولكن غير مقدرة. وإما ما كان جنسه غير مشروع، فأما الخلوة والعزلة والانفراد المشروع فهو ما كان مأموراً به أمر إيجاب أو استحباب (٢) .

فالأول كاعتزال الأمور المحرمة ومجانبتها كما قال تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) ومنه قوله تعالى عن الخليل (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب، وكلا جعلنا نبياً) وقوله عن أهل الكهف (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فاءوا إلى الكهف) فإن أولئك لم يكونوا في مكان فيه جمعة ولا جماعة، ولا من يأمر بشرع نبي فلهذا أووا إلى الكف وقد قال موسى (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) .

وأما اعتزال الناس في فضول المباحات وما لا ينتفع، وذلك بالزهد فيه فهو مستحب وقد قال طاول: نعم صومعه الرجل بيته يكف فيه بصره وسمعه.

وإذا أراد الإنسان تحقيق علم أو عمل فتخلى في بعض الأماكن مع محافظته على الجمعة والجماعة، فهذا حق كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس


(١) أن بعض هذه الرياضات لم يكونوا يعدونها عبادة مطلوبة شرعاً بل تجارب نافعة كتقليل الطعام بالتدريج الذي يؤمن به ضرر تغيير العادة
(٢) ومنه ما يقوم الدليل على شرعية جنسه وإن لم يرد نص في الأمر به بعينه، وقد بسط أبو حامد في كتاب العزلة من الاحياء فوائد العزلة وغوائلها لمعرفة الراجح من المرجوح منها

<<  <  ج: ص:  >  >>