استغفروا، وهذا أحسن لكن إذا أصابتهم مصيبة بفعل العبد لم ينظروا إلى القدر الذي مضى بها عليهم، ولا يقولون لمن قصر في حقهم دعوه فلو قضي شيء لكان، لا سيما وقد تكون تلك المصيبة بسبب ذنوبهم فلا ينظرون إليها وقد قال تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة فقد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم) وقال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم) وقال تعالى (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) .
ومن هذا قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) فإن هذه الآية تنازع فيها كثير من مثبتي القدر ونفاته: هؤلاء يقولون الأفعال كلها من الله لقوله تعالى (قل كل من عند الله) وهؤلاء يقولون الحسنة من الله والسيئة من نفسك لقوله (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) .
وقد يجيبهم الأولون بقراءة مكذوبة (فمن نفسك؟) بالفتح على معنى الاستفهام وربما قدر بعضهم تقديراً أي أفمن نفسك؟ وربما قدر بعضهم القول في قوله تعالى (ما أصابك) فيقولون تقدير الآية (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) يقولون فيحرفون لفظ القرآن ومعناه، ويجعلون ما هو من قول الله - قول الصدق - من قول المنافقين الذين أنكر الله قولهم، ويضمرون في القرآن ما لا دليل على ثبوته بل سياق الكلام ينفيه. فكل من هاتين الطائفتين جاهلة بمعنى القرآن وبحقيقة المذهب ينصره.
وأما القرآن فالمراد (منه) هنا بالحسنات والسيئات النعم والمصائب ليس المراد الطاعات والمعاصي، وهذا كقوله تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم