سيئة يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) وكقوله (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا) الآية. ومنه قوله تعالى (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) كما قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) أي بالنعم والمصائب.
وهذا بخلاف قوله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) وأمثال ذلك فإن المراد بها الطاع والمعصية، وفي كل موضع ما يبين المراد باللفظ، فليس في القرآن العزيز بحمد الله تعالى إشكال بل هو مبين وذلك أنه إذا قال (ما أصابك) وما مسك ونحو ذلك كان من فعل غيرك بك كما قال (ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك) وكما قال تعالى (إن تصبك حسنة تسؤهم) وقال تعالى (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم) .
وإذا قال (من جاء بالحسنة) كانت من فعله لأنه هو الجائي بها فهذا يكون فيما فعله العبد لا فيما فعل به. وسياق الآيتين يبين ذلك فإنه ذكر هذا في سياق الحض على الجهاد وذم المتخلفين عنه فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً، وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً، ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما) .
فأمر سبحانه بالجهاد وذم المثبطين وذكر ما يصيب المؤمن تارة من المصيبة فيه وتارة من فضل الله فيه، كما أصابهم يوم أحد فقال (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثلها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم) وأصابهم يوم بدر فضل من الله بنصره لهم وتأييده كما قال تعالى (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) ثم أنه سبحانه قال (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) الآية.