هو أيضاً مقدور بالقدرة الحادثة وهو قائم في محل القدرة الحادثة. وأيضاً فهذا فرق لا حقيقة له فإن كون المقدور في محل القدرة أو خارجاً عن محلها لا يعود إلى تأثير القدرة فيه: وهو مبني على أصلين: أن الله لا يقدر على فعل يقوم بنفسه، وأن خلقه للعالم هو نفس العالم، وأكثر العقلاء من المسلمين وغيرهم على خلاف ذلك.
والثاني أن قدرة العبد لا يكون مقدورها خارجاً عن محلها. وفي ذلك نزاع طويل ليس هذا موضعه.
وأيضاً فإذا فسر التأثير بمجرد الاقتران فلا فرق بين أن يكون الفارق في المحل أو خارجاً عن المحل.
وأيضاً قال لهم المنازعون: من المستقر في فطر الناس أن من فعل العدل فهو عادل، ومن فعل الظلم فهو ظالم، ومن فعل الكذب فهو كاذب، فإذا لم يكن العبد فاعلاً لكذبه وظلمه وعدله بل الله فاعل ذلك لزم أن يكون هو المتصف بالكذب والظلم، قالوا وهذا كما قلتم أنتم وسائر الصفاتية: من المستقر في فطر الناس أن من قام به العلم فهو عالم، ومن قامت به القدرة فهو قادر، ومن قامت به الحركة فهو متحرك ومن قام به التكلم فهو متكلم، ومن قامت به الإرادة فهو مريد، وقلتم إذا كان الكلام مخلوقاً كان كلاماً للمحل الذي خلقه فيه كسائر الصفات، فهذه القاعدة المطردة فيمن قامت به الصفات نظيرها أيضاً من فعل الأفعال.
وقالوا أيضاً: القرآن مملوء بذكر إضافة هذه الأفعال إلى العباد كقوله تعالى (جزاء بما كنتم تعملون) وقوله (اعملوا ما شئتم) وقوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) وقوله (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وأمثال ذلك.
وقالوا أيضاً أن الشرع والعقل متفقان على أن العبد يحمد ويذم على فعله ويكون حسنة له، فلو لم يكن إلا فعل غيره لكان ذلك الغير هو المحمود المذموم عليها. وفي المسئلة كلام ليس هذا موضع بسطه لكن ننبه على نكت نافعة في هذا الموضع المشكل فنقول.